بلغة عربية متقنة تعكس مدى اهتمام بكين بالعالم العربي، استقبلت الصين 67 ممثلاً عن أحزاب ممثَّلة في البرلمانات في 19 دولة عربية، على مدى 10 أيام، ومن بينهم 6 ممثلين عن كل من الأحزاب اللبنانية: تيار المستقبل، حركة أمل، القوات اللبنانية، التيار الوطني الحر، الحزب الشيوعي اللبناني والحزب التقدمي الاشتراكي. فما فرّقته السياسة في بيروت جمعه التنين على أسوار الصين العظيم، على أمل أن ينجح الطب الصيني بعلاج المرض اللبناني الذي استعصى، ولا زال، عن الشفاء.
فوجئ الوفد بمدى الاهتمام الصيني بالعالم العربي، فحتى "ابن بطوطة" وكتب محمود درويش موجودة في دار الحكمة، إلى جانب ألف كتاب مترجم من العربية الى الصينية، كما تقول عضو المكتب السياسي في تيار المستقبل د. شذا الأسعد في حديث لموقع mtv. والأمر نفسه يتجلّى أيضاً في معهد الدراسات العربية الصينية في جامعة شنغهاي، والذي يخرّج مئات السفراء والدبلوماسيين الذين يُكَلّفون بمهام في منطقتنا.
الدعوة وُجهت للمشاركة في الدورة الرابعة لمؤتمر الحوار بين الحزب الشيوعي الصيني وأحزاب الدول العربية، من قِبل دائرة العلاقات الخارجية في اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي الصيني، بعنوان "التبادل الحضاري بين الصين والدول العربية - من طريق الحرير القديم الى مجتمع المستقبل المشترك في العصر الجديد"، والذي شكّل وفق الأسعد "منصة للحوار، حيث لمسنا ميدانياً التحديث الصيني النمط، وتحوّل الصين الى دولة عظمى، وذلك من خلال زيارة معامل البترول والمعامل الصناعية وغيرها من المعالم".
وأشارت الأسعد الى أن "المؤتمر أكد تعزيز دور الصين في المنطقة العربية من أجل التنمية السلمية وتحت سقف حرية البلاد في اختيار مصيرها وسيادة البلاد. وتمنينا تعزيز هذا الدور لما فيه المصلحة المشتركة، فلدى الصين مشاريع كبرى وهي مستعدة للاستثمار في لبنان ولكن المشكلة اليوم هي بغياب رئيس الجمهورية والمؤسسات الدستوربة، لكننا كوفد لبناني عرضنا لهواجسنا واحتياجاتنا وشددنا على الاتفاق السعودي الايراني برعاية بكين، وتمنينا أن تكون تداعياته إيجابية على لبنان، وإعادة إنتاج سلطة في لبنان وانتخاب رئيس وتراجع حدة التوترات".
وعن مدى تأثر لبنان بهذا الاتفاق، قالت: "أكدوا لنا أنّ لبنان ليس غائباً عنه وأخذنا وعداً بتعزيز التنمية المحلية في لبنان، وأن هذا الاتفاق من أجل راحة كل المنطقة إنطلاقاً من التوجّه الصيني السلمي وتلاقي الحضارات بعدما لم يؤد صراع الحضارات إلا الى ويلات في كل المنطقة".
إلا ان معضلة لبنان الكبيرة لا يبدو أن لها علاجاً لا في الشرق ولا في الغرب، فالجواب الذي يسمعه اللبنانيون غرباً هو نفسه شرقاً بأن على اللبنانيين ان يبدأوا من انفسهم وإيجاد حلول لمشاكلهم، وفي هذا السياق أشارت الأسعد الى أنه "تم الحديث عن مشاريع كبيرة، لكن المطلوب هو سلطة في لبنان للتواصل معها، وكل ما بحثناه في بكين من مشاريع ومنها إعطاء منح للطلاب اللبنانيين وإنشاء مراكز لغة وسواها، لن تُترجم من دون تواصل من دولة لدولة".
الوفد لمس بالمباشر مدى التطوّر الذي بلغته الصين، وقد شملت جولته المدرسة الحزبية في بكين، معرض "تاريخ الحزب الشيوعي الصيني"، وسور الصين العظيم، مدينة يينتشوان في مقاطعة نينغشاه، حيث انعقد المؤتمر، وزيارة متحف نينغشاه، مجموعة بيت الحكمة للصناعات الثقافية، قاعدة نينغ دونغ للطاقة والصناعات الكيماوية، معرض لملامح ميننينغ الجديدة. وكانت له محطة في مدينة شنغهاي، التي يصفها أمين سرّ حركة أمل عباس نصرالله بـ"غابة من ناطحات السحاب، حيث يعيش فيها 24 مليون نسمة ولا أعتقد أن هناك مدينة في العالم بعمرانها".
ويستحضر تصرالله زيارة الوفد لمنطقة في شمال غرب الصين، وهي من الغالبية الاسلامية، والتي تم تحويلها من صحراء قاحلة الى جنة خضراء ونُقلت من منطقة فقيرة الى منطقة عامرة فيها مصانع ومراكز اقتصادية كبيرة، مقدّماً مثالاً على تحوّل الصين من دولة فقيرة الى دولة غنية، فالصين اليوم تملك أعلى نسبة نمو في العالم وهي تسير بخطى سريعة باتجاه أن تصبح الدولة الأولى اقتصادياً في العالم.
نصرالله الذي مثّل الرئيس نبيه بري في المؤتمر، اعتبر في حديث لموقع mtv أن "هذه الدعوة تهدف الى توثيق العلاقة بين الصين من جهة والشعوب العربية من جهة ثانية، وإقامة مشاريع بين الصين والدول العربية، التي تقام عادة مع الحكومات ولم ندخل في تفاصيلها، لكن كانت مناسبة لإطلاع الأحزاب العربية على مدى التقدم الذي وصلت اليه الصين".
وقال نصرالله: "شددنا على أن انعكاس خطوة الصين باتجاه المصالحة الإيرانية السعودية كان جيّداً على لبنان، والتشنج بين الأحزاب المؤيدة إن كان لإيران أو للسعودية زال بمجرد حصول المصالحة بين الدولتين".
وعن إمكانية استفادة لبنان عبر الصين من مشاريع تنموية في الطاقة وسواها، أشار نصرالله الى ان "الصين عرضت على الدولة اللبنانية منذ زمن بعيد أنها قادرة على تأمين معامل لتوليد الكهرباء وشبكات مواصلات وغيرها، لكن الدولة اللبنانية لم تعط جواباً إيجابياً لغاية اليوم، لأسباب سياسية طبعاً، لأن الحكومات في لبنان لا تستطيع مخالفة الأميركيين".
بالخلاصة، فإن الطريق شرقاً مفتوحة، ودعوة جديدة ستوجَّه للأحزاب اللبنانية والعربية في نيسان المقبل، على أمل أن يستفيد لبنان حينها من بطاقة العبور الصينية.