Advertise here

وطن (وأي وطن!) أمن (وأي امن !)

28 كانون الأول 2018 17:20:47 - آخر تحديث: 28 كانون الأول 2018 17:20:48

في الاوطان المتأخرة، والنصف جاهلة، غالباً ما تكون العقول متصحّرة وغير قابلة للتطور، جارّة معها الفساد، والجهل منذ نشأتها وولادتها.

ولبنان، هو منذ وجوده، هو في جزء منه على طراز هذه الاوطان، وإن كان يتمتّع بعقول نيّرة علمياً وثقافياً.. إلا انه لم يستطع بعد نشل نفسه من أزماته وعثراته، ومن هذا التخبط على الاصعدة والمستويات، والذي قد يُزيل اوطاناً ويدمر مجتمعات برمتها.

هذا التخبط، ما كان ليوجد، لولا طبقة سياسية كان يجب الاطاحة ببعض مكوناتها منذ زمن، طبقة تتمتع بخيرات الشعب، وموارده، وبمقدّراته، دون ان يرف لها جفن، ولا زالت تمعن في نهبه دون حسيب او رقيب حتى اللحظة.

كيف لا، وهي التي سنّت تشريعات وقوانين لصالحها، ظناً منها انها باقية بقاء هذه القوانين، تشريعات، وكأنها مستوحاة من حفائر التاريخ وعصور الظلام. وفي مقدمة هذه القوانين والتشريعات، قانون انتخابي مريض، ولد مع ولادة ميثاق 1943، فكان من اسباب الخلل القائم في هذا النظام بما شكل اعوجاجاً، كان من الصعوبة بمكان ان تستقيم قناتنا معه، ناهيك عمّا جرَّ من امتيازات لهذه الفئة او تلك. واليوم لا يزال يغزل على منوال اسلاف مضت لجهة نفس الامتيازات، ما افضى الى هذا التباعد بين الطوائف، وما جعل الناس ينظرون شزراً الى بعضهم البعض، غير عابئين بقيامة وطن تسوده العدالة، والطمأنينة، والكفاية الاجتماعية للجميع، فدبّت الفوضى، وراح كل يُغنّي على ليله، فكادت المساكنة بين اللبنانيين تصبح في خبر كان لولا قادة كبار، امثال الرئيس وليد جنبلاط، كما اندمل جرح نزف طوال ثلاثة عقود من الزمن، وكما اوقفت حرب ضروس كادت تذهب بمقومات الوطن ومكوناته. وبعد ما اخمد نيران الحرب، وبعد اتفاق الطائف كان من المفترض الاتيان بقانون انتخابي يواكب ركب الحضارة، او على الاقل بما اتُفق عليه في الطائف، الا ان شيئاً من هذا القبيل لم يحصل، فكاد الوضع يزداد سوءاً، خصوصاً لجهة عدم انجاز الاستقلال التام، واستكمال الوحدة الوطنية. زد على ذلك، ما غرز في النفوس من طائفية فوق طائفية، زادت الطين بِلّة، في وقت كنا ولا زلنا نتطلع فيه الى قيام دولة تساوي ديمقراطيات بعض الدول المتقدّمة. كنا نأمل كذلك، بعد اتفاق الطائف انفراجات على كل الاصعدة. (وأي انفراجاتّ) إنها انفراجات يُعرف لها اسم ولا يُعرف لها وجود، سما وان المعاناة هي هي، والانقاسم السياسي العامودي هو هو، والهجرة على قدم وساق، وفرص العمل معدومة، والاستمرار في جَلد الشعب يكاد لا ينقطع، حيث الضرائب ضاربة اطنابها في جيوب الفقراء، وحيث كرامة المواطن تُنتهك يومياً في الادارات والمؤسسات، ترافقاً مع الرشوة والواسطة في جميع مرافق الدولة، فتعرّي الشعب من كل مقومات الحياة، حيث حُرم من امنه الاجتماعي ( وأي امن!) إنه للخاصة لا للعامة، وللذين ينظرون من ابراجهم العاجية ، ومن عَلوُ للناس. وفي حال استمرار الوضع على هذا المنوال، فإن لبنان سيبقى عرضة للاخطار، داخلياً وخارجياً.

نأمل إتمام، واستكمال ما وَرَدَ في مضمون بيان حكومة "استعادة الثقة" السابقة، من وعود على كل الصعدة والمستويات، والاسراع في تنفيذها، لا ان تبقى حبراً على ورق، رأباً للصدع، ومنعاً لانتكاسات جديدة، وإلا فإن ظلاماً دامساً سيسود الوطن الى ما لا نهاية..