هادئاً كعادته يخرج ابراهيم أيوب من المشهد، وتُسدل الستارة على عمرٍ من الشقاء والنقاء، وتاريخٍ من النضال والعطاء. خرج، وما أظنُّهُ كان ليفعل، لو لم يرَ الهيكل يتداعى ويوشك أن ينهار، وهو واحدٌ من الذين أفنوا العمر في تدعيم أركانه. خرج قبل أن يرى ركام هذا الهيكل في القيم والأخلاق، في المبادئ والأفكار، في الروابط والنقابات، في التربية والتعليم، في الاقتصاد ولقمة عيش الفقراء، وفي كل مناحي الحياة التي كان لإبراهيم يدٌ في النضال من أجل ترسيخ أسسها وتعزيز أوضاعها.
إبراهيم أيوب أيقونة النضال في الزمن الجميل، النضال من أجل المبادئ ورسم صورة الوطن - الحلم بريشتها وألوانها. النضال من أجل تحقيق الأهداف الوطنية، لا من أجل مكسبٍ مادي أو منصبٍ وردي. اختار شظف العيش على أن يبذل نفسه طلباً للمال، ولكم خرجنا معاً من اجتماعاتٍ ليلية ليعود ابراهيم إلى بيته في المنارة عبر "الأوتوستوب" غير آبهٍ بمطرٍ أو حر، فهو لا يملك إلّا كرامته يمتطيها مزدهياً حين يفاخر الآخرون بامتلاكهم حطام الحياة.
ابراهيم الذي ما اغتنى يوماً إلّا بعزّة نفسه وبفكر كمال جنبلاط، لم يناضل إلّا من أجلهما، ولم يساوم على أيٍّ منهما. متسلّحاً بهما اضطلع بالمهام الحزبية، فلم يقصّر يوماً في السلم أو في الحرب. وخاض ميدان التربية فكان الأستاذ الناجح والمدير المجلّي الذي ارتقت على يديه مناطق وأجيال. وانبرى للنضال النقابي فكان السيف الذي لا يلتوي، والفارس الذي لا يُشقُّ له غبار، والطليعي الذي لا يساوم ولا يلين.
في رحاب الخُلد أيُّها الصديق الغالي، ستبقى حيّاً في قلوبنا، نابضاً بالعزم والحياة، ومفعماً بالفرح والضحكة العالية كجبهتك التي لوّحتها شمس البقاع، وستظل نبراساً وقدوةً للمناضلين التقدميين الذين لن يهدأوا حتى يُخرجوا هذا البلد من نظام الطوائف والقبائل إلى النظام العلماني والإنساني، الذي من أجله ناضلت، ومن أجله سيستمر رفاقك في النضال.