قراءة في لوحة الرسام شوقي دلال لصقر طائر من مهرجان الملك عبد العزيز للصقور منطقة ملهم الرياض
20 تموز 2023
14:52
Article Content
بقلم الدكتورة بهية أحمد الطشم
ها هُنا يحلُّ أوج السِّحر بكلّ ذبذباته وتجلياته أي : في حنايا لوحةٍ استثنائية بجمالها, وتعلنها النظرات المتأمّلة أيقونة متربعة على عرش البهاء.
بداية, يسطع نجم اللوحة ( طائر الصّقر مشرقاً) ومحلّقاً في فضاء حرية يكاد يكون بلا حدود, اذ يُحاكي حارس السّماء هبوط نجمة أو أميرة الليل من أديم السّماء الزرقاء على حقول الخير والبساط الذّهبي.
وتبدو أشجار النخيل السّامقة و الغضّة في الأرجاء المختلفة للأيقونة فتكاد تعانق السّماء بشموخٍ منوُطٍ بالارتقاء العارم.
ترمُق أعيننا حنايا اللوحة,فنحدّق أكثر فأكثر وتلازمُنا ازاء ذلك أمنية بهيّة يوشّحها الخيال بمشاركة ذلك الصّقر الصّنديد في سباق مع الزمن على أثير السّعي للوصول الى بيت قصيده بالفوز على أرض مباركة تلتحفها سماء رحبة.
وبموازاة تحليق حارس السّماء ورمز الاباء يرفرف في الوقت نفسه عَلَم المملكة العربية السّعودية شامخاً ابّان مهرجان الملك عبد العزيز ضمن السّباق الأكبر في العالم للصقور ,ويأتي هذا المهرجان في اطار الحفاظ على الموروث الثقافي والحضاري وتعزيز ريادة المملكة العربية السعودية في مجال الأنشطة الثقافية والحضارية,سيّما وأنّ الصقور هي من أهم رموز التراث الثقافي في دول الخليج ,وعلى اعتبار أنّ الطائر العملاق يرتبط بمعاني التحدّي وسِمات القوة لدى أبناء دول الخليج العربي ,ذلك أنّ الأبناء يتناقلون عن آبائهم وأجدادهم تربية واقتناء تلك الطيور المميزة.
وكذلك عُرفت عندهم بهواية الملوك ,تلك الهواية التي ما لبثت أن تحوّلت الى هواية ورياضة تكاد تبلغ العالمية,وبخاصّة أنّ الجزيرة العربية عرفت الصّيد بالصقور قبل آلاف السنين واستئناس الخيل والصّقر.
ولعلّنا نلتمس من أبرزالحركات السّيمائية للصقر الذي يتوسّط اللوحة لغةً ناطقة بالنشاط الدّيناميكي والحيوية الفائقة ,حيث تنشد (الحركات) أنشودة مرصّعة بالعِزّة.
فنستحضر ازاء ذلك أفهوم التحدّي المُلازم والموائم للطائر الصّقر والانسان معاً, ذلك الانسان القاطن في ربوع تلك البلاد, حيث طبعت الارادة سيرورة تاريخ الانسان في البلاد العربية سيّما في المملكة العربية السّعودية ,وكذلك الصعوبات التي وَسَمت مسيرة الانسان المكافح نحو التقدم...
وهُنا نستذكر عبارة ً ذهبية لتيونبيtynbe فيلسوف التاريخ والمؤرخ العظيم ألا وهي :"التقدّم هو ثمرة جهد الانسان."
وفي الصّدد عينه تنسجم مقولة المهاتما غاندي: " لا تقاس القوة بالقدرة الجسدية ,بل بالارادة التي لا تُقهر."
حيث يكمن المسوّغ الأكبر لمواكبة السّباق الزمني في زمن السرعة القياسية عبر عظيم الانجاز وتفعيل الاستعداد الأمثل ضمن ثنائية التحدي والاستجابة ,فكلّما عظُمت استجابة الشعوب بالايجابية ضدّ التحدّيات كلّما عظُمت مسيرتها قي مواكبة التقدّم ,والحقائق الواقعية هي أدلّ دليل,فهي ابنة الزمان والمكان.
اذاً,تتراوح عيوننا المتأمّلة بين تأثيرات الجمال وأثير السّباق في حنايا اللوحة الزاخرة بمعالم المغامرة الخلّاقة ,فنستلهم علاقة مفارِقة بين أجنحة الصّقر السّابحة في الفضاء وربوع الصّحراء الذّهبية المفعمة بأعظم التحديات والاستجابات عبر ارهاصات الزمن لتستنبت الشمس حقول الخير ولتتوسّد العيون أجمل فوز على ايقاع ترنيمة الأمل.
وفي استكمال استقراء ماهيّة الالوان التي تزدان بها اللوحة:
يلِج اللون القرمزي بالأصفر ,فيتوالد اللون البرتقالي للصقر, وحيث يتآلف الجمال العارم في فسيفساء باهرة من الألوان الزاهية,ويتجلّى ذلك أكثر ما يتجلّى حين يبسَط أسرع طائر على كوكب الأرض أجنحته بتمام الزهو .
اذاً ,يُحاكي اللون البرتقالي المتدرّج في حنايا اللوحة والمتماهي مع الأصفر الأخّاذ لون الشفق عند بزوغ الفجر.
و في الصّدد عينه ,يتناثر ألق الأبيض في الزوايا المتباينة للوحة ليعكس معالم الرونق الأسطوري.
ونخلُص الى القول: ما أروع أن يكون دافع الفوز حليف أفكارنا في رحلة حياتنا,لنقتبس من أسرع الطيور وأقواها في حدّة البصر حكمة متبصّرة لاقتناص فرصة التغلّب على الصّعاب ,فالتحدّي لا ينتظر والحياة لا تلتفت الى الوراء ,والاصرار على الوصول هو نفسه طريق الوصول.
(*) الدكتورة بهية الطشم - باحثة واديبة واستاذة الفلسفة في الجامعة اللبنانية
إعلان
يتم عرض هذا الإعلان بواسطة إعلانات Google، ولا يتحكم موقعنا في الإعلانات التي تظهر لكل مستخدم.