فرضت السلطات المصرية حظر استيراد 23 سلعة من بينها الفواكه والأطعمة لمدّة ثلاثة أشهر، وقبلها زادت رسوم تنمية تُراوح بين 10% و29% على لائحة كبيرة من السلع المستوردة. ومع اقتراب موسم التفاح الذي يُصدّر 60% منه إلى مصر، ستنفجر أزمة مزارعي التفاح في لبنان الذين تتركهم السلطة وحيدين دائماً.
في أوائل الشهر الجاري صدر عن رئيس مصلحة الجمارك في مصر تعليمات لحظر استيراد 23 صنفاً تشمل الفواكه والأطعمة، لمدّة ثلاثة أشهر تبدأ من 5 تموز لغاية 5 تشرين الأول. قبلها، أقرّ مجلس النّواب المصري تعديلات على التّعرفات الجمركية تطال لائحة كبيرة من السّلع المستوردة سمّاها رسوم تنمية موارد الدولة، وبرّرها بحماية الصّناعة المحلية من الغرق. تبدأ الزيادات الضريبية من 10% وتصل إلى 29% من الفاتورة المستوردة. يعني ذلك، أنّه بعدما تنتهي فترة حظر الاستيراد، ستكون الصادرات اللبنانية إلى مصر أمام تعرفات جمركية عالية، خلافاً لما نصّت عليه اتفاقيّة التبادل التّجاري بين البلدين عام 1998، واتفاقية تيسير وتنمية العلاقات التجارية بين الدول العربية.
يصدّر لبنان إلى مصر منتجات غذائية وغير غذائية كالتبغ الخام، والورق والكرتون واللدائن الصناعية والآلات والأجهزة وغيرها، وأبرز صادراته هي التّفاح والدراق والحديد الخردة. إلا أنّه «أكثر ما يزعجنا هي نتائج القرارات التي تتّخذها مصر جرّاء أزماتها المالية على تصريف الفواكه الطازجة والحمضيّات، فعلى سبيل المثال، تعتاش أكثر من ألف عائلة على الخط الساحلي من تصدير الحمضيات والموز إلى الأسواق الخارجية وبينها السوق المصرية»، كما يقول مدير عام وزارة الاقتصاد والتجارة محمد أبو حيدر. لذا، فإن هذه القرارات، ستكبّد لبنان خسارة سوق كبيرة لتصريف بعض منتجاته، وهي تأتي بعدما أُقفلت السوق الخليجية في وجهه. ويشرح أبو حيدر كيف ستتأثر الصادرات اللبنانية جرّاء رفع الرسوم الجمركية على السلع المستوردة في مصر: «سترتفع أسعار المنتجات اللبنانية في السّوق المصرية ما يفقدها القدرة على المنافسة، فيتراجع التصدير وتقلّ الأرباح، وسيُحرم لبنان من العملة الصعبة التي يبحث عنها «من الغيمة»».
تستحوذ السوق المصرية على 60% من صادرات التفاح اللبناني بقيمة بلغت 67 مليون دولار في 2022، ما يعني أن القرار المصري سيؤدّي إلى نكسة. ويعزو رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين أنطوان الحويك ذلك إلى كون «موسم قطاف التفاح يبدأ أواخر الشهر المقبل، أي إن الأزمة ستنكشف في شهر أيلول عندما لا نجد كيفية تصريف الإنتاج، فنرمي المحصول لأنّ تصديره إلى مكان آخر ليس أمراً يسيراً، نظراً إلى طبيعة الأسواق التجارية، وآلية التبادلات القائمة على الاتفاقيات وتعقيداتها».
إذاً، لماذا ننتظر وقوع المشكلة لنفكّر في الحلّ؟ لماذا لا يكون هناك دولة قوية تتدارك الأزمات وتحمي إنتاجها المحلي؟ لماذا لا تأخذ درساً من مصر الغارقة في أزمة مالية لا تقلّ حدّة عن تلك التي يمرّ بها لبنان؟ في الواقع، اتّخذت الحكومة اللّبنانية قراراً بزيادة رسم 10% على السّلع المستوردة التي لها إنتاج محلّي أو تُصنّف بالفاخرة وأقرّته في المادة 74 من قانون الموازنة العامّة الأخيرة، لكنّه لم يُنفّذ بعد لأنّه محطّ جدل بين الأطراف. فالقرار فضفاض ويصعب تطبيقه. رغم ذلك، هل يكمن الحل بترك الملف على الرّف وحرمان خزينة الدولة من عائدات مالية هي بأمسّ الحاجة إليها، أم في النّقاش والحوار مع الأطراف المتأثرة والصيغة المعتمدة، وتحديد السلع التي ستشملها الرسوم؟ مصر، مثلاً، التي تخطّت الاتفاقيات التّجارية التي تعفي لبنان من أي رسوم جمركية على صادراته إليها، لكن لم يحتجّ أحد على القرار المصري والضرر الذي يلحقه بمزارعي التفاح تحديداً، علماً أنّ «الفرق كبير بين الواردات والصّادرات اللبنانية - المصرية، إذ تميل الكفّة لمصلحة مصر»، وفق الحويّك الذي يطالب بالمعاملة بالمثل، أي التوقف عن الاستيراد من مصر ريثما تتراجع عن قرارها.
لبنان يستورد من مصر كميات كبيرة من المازوت والبطاطا والسكّر وأسلاك النحاس والزجاج. وبالتالي، فإن حماية المنتجين المصريين لا يقلّ أهمية عن حماية المنتجين اللبنانية، لذا يعتقد الحويك أنه يجب «استعادة الروزنامة الزراعية بين البلدين والتي وُضعت عام 2007 وفرضت رسوماً بنسبة 70% على واردات لبنان من 10 سلع زراعية أساسية، وذلك خلال فترة ذروة إنتاج هذه السلع في لبنان، في محاولة لحماية هذه الزراعات من المنافسة العربية ولدعم المزارعين للخروج من أزمتهم الناتجة من حرب تموز وتداعياتها على القطاع، لكن العمل بها توقّف عام 2012».