كلّما رقّع المعنيون فتقاً في «النافعة» انفتح فتق آخر، إذ توقّفت معاملات تسجيل السيارات وإصدار رخص السوق وتجديدها ورخص سير المركبات الآلية واللاصقات الإلكترونية ولوحات التسجيل الآمنة وإفادات السوق التي تُستخدم في الخارج ومعاملات الأنقاض، بعد إعلان الشركة المُلتزمة بتقديم الخدمات المتصلة بالمكننة للمصلحة، التوقف عن العمل احتجاجاً على عدم تقاضيها متأخراتٍ بقيمة 59.8 مليون دولار تُطالب بها الشركة بالـ«فريش» دولار.
وأوقفت الشركة الإثنين، نظام التشغيل (البرنامج الإلكتروني) الخاص بهيئة إدارة السير معلنةً التوقف عن العمل، بما يحول دون قدرة الإدارة على الولوج إلى «السيستم» وإتمام المعاملات أو الاطّلاع على «الداتا». ورغم مضي أربعة أيامٍ، لم يصدر أي موقفٍ رسمي، علماً أن عقد الشركة ينتهي في 24 أيلول المقبل.
ومع عودة «النافعة» إلى العمل في نيسان الماضي، لوحظ تلكّؤ الشركة في القيام بما يتوجّب عليها من أعمال. وهي تعاملت بـ«استلشاء» مع اجتماعاتٍ عُقِدَت بين ممثلةٍ عنها ورئيس مجلس إدارة «النافعة» بالوكالة محافظ بيروت القاضي مروان عبود ورئيس دائرة تسجيل السيارات العقيد علي طه ووزير الداخلية بسام المولوي، إذ لم تُجِب على اقتراحٍ قدّمه المعنيون لدفع الأموال المتأخّرة، بذريعة «انشغالها في مشاريع خارج البلد». وبعد أخذٍ وردٍّ، تفيد مصادر بـ«اتفاق مع الشركة قضى بفسخ عقدها وتحريرها من الاستمرار في العمل في الشهرين المتبقّيين من مدة العقد، مقابل أن تسلّم برنامج العمل الإلكتروني إلى فريق أوكلت إليه إدارة النافعة مهمة العمل بعد خروج الشركة من المصلحة». وفي الشق المالي أبلغت إدارة السير الشركة أنّها ستطلب رأياً استشارياً من ديوان المحاسبة حول كيفية الدفع وعلى أيّ سعر يُفترض احتساب المتأخرات. غير أن الشركة قرّرت فجأة، بحسب مصادر في «النافعة»، الانقلاب على الاتفاق ووقف برنامج العمل واضعةً الجميع أمام الأمر الواقع.
ما حصل، تضعه إدارة «النافعة» في سياق نسف ما تعتبره خطةً بديلة، وضعتها للتحرّر من ابتزاز «إنكريبت»، تقوم على فتح باب التدريب (Stage) في «النافعة» لطلاب المعلوماتية، وكان الرهان أن يتدرّب هؤلاء على أيدي موظفي «إنكريبت» ويتكفّلوا بتسيير العمل بالمجان على البرنامج الإلكتروني. لكن لا جدارة هؤلاء مضمونة ولا التزامهم بالعمل، طالما أنه لا عقود ستُوقّع معهم.
ووفق معلومات «الأخبار»، يدرس المعنيون في الملف الاتجاه نحو دولرة خدمات «النافعة»، في المرحلة المقبلة، بذريعة استيراد البطاقات والدفاتر والرخص واللواصق الإلكترونية من الخارج. وهو أمر، وإن كان لا بد منه، في ظل الانهيار الحاصل، إلا أنّ نقاشاً جدياً يجب أن يتم حول حجم الزيادة التي ستطرأ، وإذا ما خضعت للدراسة. وثمة من يرى وجوب عدم اقتصار الحلول على زيادة الأعباء المالية على المواطنين، بل أن يترافق ذلك، في حالة «النافعة»، مع إجراءاتٍ قانونية وقضائية بحق «إنكريبت»، الملزمة وفق العقد الموقّع معها بالاستمرار في تقديم الخدمات لشهرين إضافيين، وانتظار صدور الرأي الاستشاري لديوان المحاسبة حول احتساب أموالها المكسورة، والتي يمكنها الطعن فيه أمام شورى الدولة.
هكذا تعطّل المرفق العام، وبذهنية الترقيع مجدداً يدور المعني الأول وزير الداخلية والبلديات بسام المولوي حول القضية من دون حلّها جذرياً. مع علمه بأن وجود شركة «إنكريبت» في «النافعة» هو أصلاً مخالف للقانون، وفق قرارٍ صادرٍ بتاريخ 19/7/2022 عن ديوان المحاسبة، يعتبر فيه أن المناقصة التي أتت بالشركة «مخالفة للقانون وأساسها باطل، وما بُني على باطل فهو باطل»، وقضى بمعاقبة مجلس الإدارة، الذي وافق على المناقصة في حينها. ورغم ذلك استمرّت الشركة في العمل، ولم يحرك المولوي ساكناً تجاه الملف، ولو لم يتحرّك فرع المعلومات أخيراً حيال ما فاح من روائح فساد لكانت مديرة الهيئة هدى سلوم لا تزال مكرّمةً في مكتبها، الذي قد تعود إليه بعدما أطلق القضاء سراحها.
في الأصل، قبل سبعة أعوام، يوم قضت المناقصة - الصفقة بفوز شركة «إنكريبت» بقيمة إجمالية بلغت 174.8 مليون دولار، لم يكن ذلك مفاجئاً، بعدما فُصّل دفتر الشروط على قياسها. ويدفع اللبنانيون اليوم، ثمن عقد مناقصة خالفت في الأساس قانون المحاسبة العمومية لجهة عقدها من دون توفّر اعتمادات، ما يعرّض سلامة المشروع لمخاطر كبيرة.