لم تستطع الازمة الاقتصادية ان تغير كثيرا في نمط عيش اللبنانيين الجامحين للمسرّة والابتهاج، في ظل الظروف المعيشية الشرسة الراهنة والتي بدأت مع ثورة 17 تشرين، وتفاقمت مع جائحة كورونا، الا ان اهولها وأكثرها تدميرا كان تفجير مرفأ بيروت، وما زاد الأمور خشونة ارتفاع سعر صرف الدولار ودولرة كافة القطاعات الحياتية وحتى الترفيهية. على الرغم من ان هذه الاسباب مجتمعة افقدت شريحة واسعة من الناس القدرة على تحمل كلفة الذهاب الى حفل او ارتياد مطعم، هذا ما جعل الأجواء «المشرقطة» بالحفلات والمهرجانات في لبنان تحيّر العالم بأسره في ظل ازدحام غير مسبوق منذ أعوام عديدة، فبعد حالة من الجمود شهدها لبنان في هذا المجال منذ بداية الازمة الاقتصادية، ها هو يشع فرحا ويستعيد عافيته بشكل لافت ومميز وفريد.
ويشهد لبنان على الرغم من كل الظروف والمحن والشدائد والأزمات الاقتصادية تحديدا، هجرة عكسية بحيث يحيي عدد كبير من النجوم العرب والمصريين تحديدا حفلات في بيروت، ولا يمكن انكار ان هذه الاحتفالات تسهم في تحريك الساحة اللبنانية. الجدير ذكره في هذا السياق، ان ارتفاع الدولار مقابل الجنيه المصري أدى الى تراجع الحفلات الغنائية في مصر، وهذا الامر فتح أبواب السهرات في لبنان. «فولعت» أجواء بيروت الى جانب العديد من المناطق بنجوم من لبنان والوطن العربي من الصف الأول، لإحياء حفلات تستضيفها الفنادق والملاهي والمطاعم بعد غياب طويل، والبداية كانت مع الفنانين عمر شاكوش وتامر حسني، وسيحضر في الأسابيع المقبلة كل من وائل كفوري، عمرو دياب، جوزاف عطية وناصيف زيتون وغيرهم.
لبنان ليس مأزوماَ؟
لطالما عرفت بيروت بضجيج ليلها وحياتها المتنوعة منذ الستينات، حيث ازدهرت الحياة الليلية بحثا عن السعادة والترفيه وهربا من الروتين والسياسة وللتحرر من الضغوط والمتطلبات اليومية الغليظة. هذه الأسباب مجتمعة تزيد من حماسة الناس لقصد أماكن السهر الليلية.
وبحسب خبراء علم النفس، تساعد وسائل الترفيه الجيدة والمقبولة مجتمعيا على التخلص من التوتر والاجهاد، اذ انها تمنح العقل القدرة على التفكير بأشياء إيجابية وحيوية، مما يؤدي الى زيادة هرمون الاندروفين او هرمون السعادة والرضا بعيدا عما يسبب التوتر مثل الاستماع الى الموسيقى كونها تساند الفرد وتدعمه للهروب قليلا من مخاوف الأنشطة اليومية والاعمال الشاقة. اذ ان ذلك يعزز الصحة النفسية والعقلية ويحافظ عليها. بالإضافة الى ان مشاهدة شخصيات بارزة قد تنقل الى الافراد رسائل هادفة من خلال حضور حفلات غنائية مباشرة.
هجرة عكسية
على خطٍ فنّي موازٍ، كان الفنان المصري تامر حسني احيا حفلة ضخمة في «الفوروم دي بيروت» مساء السبت الفائت وقالت مصادر فنية لـ «الديار»، «ان أكثر من 10 الاف حضروا الحفل من لبنان والخارج، وأشارت المصادر، الى ان المنظمين وسّعوا المكان من 2600 شخص الى 10000»، اما أسعار البطاقات فتراوحت ما بين الـ 40 والـ 120 دولارا للشخص الواحد.
وكان حفل حسني أشعل حماس الجمهور، فغنّى باقة من أجمل الأغاني التي عُرف من خلالها في بداياته وصولا الى الجديدة التي طرحها مؤخرا.
ونشر حسني بعد انتهاء الحفل، صورا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وارفقها برسالة معبرة وصف فيها شعوره قائلا: «حفل لبنان، حقا حفل للتاريخ، استقبال وذوق وطاقة وحب وحماس مش طبيعي، استقبالكم وتصفيقكم قبل غنائي كل هذا الوقت لحظة مش هنساها تم تسجيلها في حياتي من اهم اللحظات اللي حسيت بيها بكرم ربنا في مشوار حياتي بشكل عام». أضاف، «حسيت بالحب والانتصار من فرحتي، حسيت مش قادر أقف، مش قادر أغني، مش عارف أتكلم، مش لاقي كلام يوصف محبتي ليكم ويعبر عن الفرحة اللي دخلتموها قلبي».
وقالت الشابة مي نعيمي لـ «الديار»، «لقد حضرت حفل تامر حسني انا ومجموعة من الأصدقاء والمقربين، صحيح ان الوضع الراهن عسير ولكن لن يمنعنا شيء من المضي نحو الحياة ببهجة، فنحن شعب لم نتعود على الهزيمة او الاختباء، بل نعمل ونواجه كل المشاكل ونتخطّى العقبات مما كبُرت، ودائما نتغلب على المحن بجبروتنا وصلابتنا».