طرح الإحراج الكبير الذي تسبب به زعيم مجموعة "فاغنر" العسكرية الروسية الخاصة يفغيني بريغوجين، للقيادة الروسية وعلى رأسها الرئيس فلاديمير بوتين، العديد من التساؤلات بشأن الطريقة التي تعاطى به الأخير مع التمرد الوجيز الذي نفذته المجموعة، خاصة أن بريغوجين استمر في التجول في روسيا بعدها من دون عقاب.
ووجد فلاديمير بوتين نفسه في موقف صعب، بعد فشله في القضاء على "فاغنر" بعد تمردهم، وأثار رد فعله حيرة الكثيرين، إذ لم يواجه عناصر المجموعة ولا زعيمها أي عقوبة، بل على العكس سُمح لمقاتليها، الذين هم أساسا من المرتزقة ومن خرجوا من السجون، بتوقيع عقود مع وزارة الدفاع الروسية.
أما موقف بوتين من بريغوجين فهو الأكثر غرابة، فرغم أن موقع زعيم فاغنر لا يزال غير مؤكد، لكن سُمح له بالذهاب إلى بيلاروسيا المجاورة، التي قال رئيسها أليكسندر لوكاشينكو لاحقا إنه ليس هناك، فيما ذكرت تقارير أنه لا يزال في سان بطرسبرغ الروسية.
ماذا كشفت وثيقة مسربة؟
قال معهد دراسة الحرب (ISW)، الأحد، بعد تقييم أجراه إثر تسريب وثيقة يُزعم أنها الميثاق التأسيسي لشركة "فاغنر":
"الوثيقة المؤرخة في 1 أيار 2014، ربما تم إصدارها لتقديم المجموعة على أنها منظمة مهنية، حيث إنها تسرد قواعد قتال فاغنر في شرق أوكرانيا".
"دور بريغوزين كزعيم للمجموعة، يتضمن توفير الأسلحة والتمويل والضمانات للقتلى أو المصابين في القتال".
"الوثيقة أكدت أيضا كيف أن المرتزقة لن يقوموا بأي تصرف ضد بوتين أو الحكومة الروسية".
"سبب التسريب غير واضح، رغم أنه قد يكون محاولة لإعادة تأهيل صورة فاغنر"، وذلك في أعقاب التمرد الذي قامت به ضد القيادة الروسية في 24 حزيران الماضي، ولفت المعهد إلى أنها "تجعل فاغنر تبدو مهنية وجذابة مقارنة بالجيش الروسي".
لقاء بوتين وبريغوجين
والإثنين، أعلنت موسكو أن "بوتين التقى بريغوجين في الكرملين بعد 5 أيام من التمرد، وتحديدا في 29 حزيران".
وأوضح الكرملين التالي:
"الاجتماع بين بوتين وبريغوجين استمر نحو 3 ساعات وحضره أيضا قادة مفارز الشركات العسكرية الخاصة، وبلغ عددهم 35 شخصا.
"قدم قادة فاغنر روايتهم للأحداث لبوتين، وأكدوا أنهم من أشد المؤيدين لرئيس الدولة".
"قدم بوتين تقييمه لما حدث وعرض خيارات التوظيف على ممثلي الشركات العسكرية الخاصة".
ما السر وراء موقف بوتين؟
فيما يتعلق بموقف بوتين المعروف بقيادته الحازمة، من بريغوجين الذي تحدى القيادة الروسية وخاصة قائد الجيش، علق خبير الأجهزة الأمنية الروسية يوري فلشتينسكي، قائلا لمجلة "نيوزويك" الأميركية:
"كان يُتوقع أن يرد بوتين على التمرد بطريقة مماثلة لتعليقه الذي كثيرا ما يقتبس، في ايلول 1999 (قبل أن يتولى الرئاسة) على إرهابيين شيشان شنوا هجوما أدى إلى تدمير مبنى في موسكو، مما أسفر عن مقتل 119".
"حينها قال بوتين: (سنبيدهم في المرحاض)، وهذا ما توقعه الكثيرون من الرئيس الروسي فيما يتعلق بنشاط بريغوجين".
"لكن عندما عاد إلى موسكو، لم يقل إنه سيتم وضعهم في السجن، بل قال إنه سيسمح لفاغنر بالتواجد بأي شكل من الأشكال التي يختارونها".
"لم يكن بوتين قادرا على معاقبته (بريغوجين). كان بالتأكيد بوتين مختلفا".
من جانبها، ذكرت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية، نقلا عن معلومات استخبارية غربية، السبت، إن "بريغوجين كان في موسكو منذ الأول من تموز، حيث التقى بوتين ورئيس الحرس الوطني فيكتور زولوتوف ومدير جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي سيرجي ناريشكين".
بدوره، قال معهد دراسة الحرب إن قرار بوتين بعدم "التخلص بسرعة" من فاغنر ومقاضاة أولئك الذين شاركوا في التمرد "يضعه ومعاونيه في موقف حرج".
و"الوضع يجعل من الصعب على بوتين واللاعبين الروس الآخرين معرفة كيفية التفاعل مع مجموعة فاغنر وقادتها ومقاتليها"، حسب المعهد.