تبيّن بالملموس بعد زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان - إيف لودريان إلى بيروت، أن لا رئيس للجمهورية في هذه المرحلة، وان الشغور الرئاسي قد يكون في إجازة طويلة الى ان تنضج التسوية في لحظة مؤاتية بتوافق دولي وإقليمي، ولا سيما من قِبل أركان الدول الخمس. إنما وعشية زيارة لودريان إلى العاصمة اللبنانية كان هناك موقف أميركي واضح عبّرت عنه السفيرة الأميركية دوروثي شيا، عندما دعت إلى انتخاب رئيس غير فاسد، الأمر الذي فسّره مطلعون على بواطن الأمور أن واشنطن غير راضية عن الأداء الفرنسي، وسبق لها أن "زكزكت" الإليزيه في محطات سابقة عندما طرحت صيغة سليمان فرنجية ونواف سلام، ناهيك عن معطى آخر ظهر في الساعات الماضية عندما أعيد التذكير بالبيان الأميركي ـ الفرنسي ـ السعودي المشترك، الذي يعتبر الأقسى والأصلب تجاه المنظومة السياسية في لبنان، والذي رسم خريطة طريق لهذا المسار، ما يدلّ على أن الأمور تذكّر بما لا يقبل الجدل بمحطات ومفاصل سابقة، عندما كان يأتي موفدون عرب وغربيون إلى لبنان مراراً وتكراراً من دون تحقيق أي خرق لوقف الحرب، وبعدها في استحقاقات دستورية، إلى أن يأتي الفرج عندما تحين ساعة التوافق الدولي.
في هذا الإطار، تشير مصادر سياسية عليمة لـ"النهار"، واكبت الحراك الفرنسي من خلال لقاءات لودريان، وصولاً إلى العشاء الديبلوماسي للسفير السعودي وليد بخاري في فندق فينيسيا، والذي تزامن مع زيارة الموفد الفرنسي، ما دفع البعض إلى الغرق في تحليله وتفسيره في غير اتجاه، بعيداً عن مضمونه وأهدافه الحقيقية التي صبّت في إطار تكريس التضامن والإنفتاح العربي والإقليمي بعد عودة العلاقات الديبلوماسية بين الرياض وطهران، وعودة سوريا إلى الجامعة العربية. ومن هذا المنطلق كانت الأنظار شاخصة باتجاه صوَر السفير بخاري مع السفير الإيراني مجتبى أماني والقائم بالأعمال السوري علي دغمان، وذلك يحمل إشارات واضحة تتمثل بأهمية تكريس ما جرى من خلال هذا الإنفتاح، والذي يعود بالفائدة على لبنان بحكم ما تمثله إيران وسوريا من دور وحضور على الساحة اللبنانية. وتبدي أوساط السفارة السعودية في بيروت، إستغرابها للقول بأن العشاء له صلة بالإستحقاق الرئاسي وزيارة لودريان، وبالمحصلة أن يقام هذا الحفل في بيروت، وبضيافة سعودية وحضور إيراني ـ سوري وديبلوماسي عربي وغربي، فذلك يؤكد أهمية موقع المملكة عربياً ودولياً، وكذلك دورها على الساحة اللبنانية في إطار سعيها لتليين المواقف من دون إغفال زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى طهران، حيث حضر الملف اللبناني، وبمعنى أوضح، فإن ذلك سيكون له أيضاً مروحة أخرى من الإتصالات واللقاءات عبر السفير بخاري داخلياً وخارجياً، إذ علم أن التحضيرات لانعقاد اللقاء الخماسي بعد عطلة عيد الأضحى، ستنطلق في وقت ليس ببعيد لتناقش تقرير لودريان، الذي سيشارك في هذا اللقاء، والأمر عينه لبخاري، والمستشار في الديوان الملكي نزار العلولا.
وتلفت المصادر نفسها إلى أن مهمة لودريان، لم تفاجئ في ما آلت إليه معظم القوى السياسية المحلية، لكن التركيز في معظم اللقاءات، وحتى في بعض المجالس الخاصة، كان منصباً على أسئلة عن المرشحَين فرنجية وأزعور، ومرشحي الخيار الثالث، وعن الأسباب التي تدفع البعض للإعتراض ورفض هذا المرشح أو ذاك، وهو استمع إلى آراء من التقاهم في قائد الجيش وما الدور الذي بمقدوره أن يلعبه، أي أنه أراد، وبالمباشر، إجابة الجميع عن هذه التساؤلات ليبنى على الشيء مقتضاه بعد تسليمه تقريره للرئيس إيمانويل ماكرون، ولاحقاً للقاء الخماسي. وبناء عليه، ثمة لقاءات واجتماعات كثيرة ستعقد خلال الشهرين المقبلين، على أن يبقى خط لودريان مفتوحاً مع القوى السياسية اللبنانية.
وأخيراً، تبيّن أن ما نتج عن لقاء ماكرون ـ ولي العهد السعودي، تمّت ترجمته في لقاءات الموفد الرئاسي الفرنسي، بمعنى انه لم يُسوِّق فرنجية بعدما كان ضمن أولويات باريس، وقد يأتي في حالة واحدة إلى بعبدا من خلال تسوية عبر توافق داخلي وغطاء دولي، وإلا سيكون الخيار الثالث هو الفيصل في النهاية. لذا، وإلى حين عودة لودريان وما يجري من لقاءات واتصالات، فإن القلق يبقى قائماً نظراً الى خصوبة الأرض اللبنانية، والى حالة الإنقسام الحاد بين الأطراف السياسية، بمعنى ان كل الإحتمالات واردة في ظل هذه الأجواء.