تحذيرات من تكرار سيناريوهات سوداوية... هل يحمل لودريان مبادرة؟

19 حزيران 2023 07:15:00

كرّست جلسة الانتخاب الرئاسية الـ12 مزيداً من الاستعصاء الداخلي بات من شبه المستحيل خرقه من دون تدخل خارجي لانهاء الشغور الرئاسي واجتراح تسوية تنتشل البلاد من مستنقع الانهيار. فالفراع مستمر في موقع رئاسة الجمهورية، بفعل التوازنات القائمة إذ لا يستطيع أحد فرض رئيس أو احداث انقلاب برغم فائض القوة التي تتمتع بها قوى طائفية خصوصاً "حزب الله"، وإن كان قدم نفسه منتصراً في الجلسة بعد تطيير النصاب مخافة من عبور مرشح الكتل المسيحية جهاد أزعور إلى الرئاسة وحصوله على 65 صوتاً محتملة. 

بعد الجلسة الاخيرة انعقدت رهانات كثيرة على أن تُطلق القمة السعودية – الفرنسية بين الرئيس إيمانويل ماكرون والامير محمد بن سلمان، حراكاً جديداً أو مبادرة مشتركة لدفع الحل اللبناني إلى الامام، لكن ما خرج عنها لا يعكس اهتماماً مستجداً بالوضع اللبناني واعتباره أولوية بين ملفات المنطقة والعالم والمصالح الاقتصادية والاستثمارات، وفق ما يقول مصدر دبلوماسي مطّلع، إذ أن الامور لا تزال عند عتبة الدعوة إلى انتخاب رئيس سيتبين ما إذا كان الفرنسيون يحملون معها مقاربة جديدة للشأن الرئاسي خلال الزيارة المقررة للمبعوث الخاص للرئيس الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت. ويجزم المصدر أن لا مبادرة يحملها لودريان، بل مجرد أفكار وجس نبض الأطراف الداخلية حول إمكان التوافق على مرشح تسوية.

ولأن الرهان على الخارج بات سبيلاً للخروج من المأزق، يستبعد المصدر الدبلوماسي أن يتمكن لودريان من إحداث خرق لبناني نظراً للتعقيدات الداخلية، مذكراً بالرهانات التي انعقدت على القمة العربية الأخيرة في السعودية بأن تكون حاضنة للبنان لانجاز استحقاقاته الدستورية، لكنها تلاشت سريعاً مع صدور إعلان جدة الذي تضمن في بنوده فقرة خجولة مكرّرة سابقاً حول لبنان. يعني ذلك أن التدخل العربي والدولي في الشأن اللبناني لا يزال عاماً، ولم يرتق إلى مستوى البحث عن مرشح يمكن أن يلتقي الفرقاء حول اسمه، فحتى اتفاق المسيحيين على اسم جهاد أزعور لم يحظ بدعم خارجي، وهو ما شكل نقطة ضعف في معركته الرئاسية. وعلى هذا يظهر لبنان كحلقة ضعيفة طالما أن النقاش الجدي لم يصل إلى مرحلة تستدعي الضغط انطلاقاً من محصلة عربية وإقليمية بتوازنات جديدة تطرح قضاياه على بساط البحث. 

حتى الآن لا قدرة للأفرقاء في الداخل على انتاج تسوية للأزمات الراهنة وللاستحقاق الرئاسي في ظل الاستعصاءات الداخلية. الداخل عاجزعن انتاج الحل ما يعزز المخاوف من حدوث توترات أمنية تغيّر في الستاتيكو القائم، وهي تزداد مع غياب التدخل الخارجي الضاغط المباشر للعبور بالبلد إلى مرحلة الامان. الثابت أن لا أحدَ من الأطراف قادر على انتخاب رئيس في ظل التوازنات القائمة، أو التوصل إلى حل نتيجة رهانات قوى كثيرة على دعم خارجي وحسابات ترهن لبنان للخارج لا سيما في مشاريع إقليمية ما زالت تجد للساحة اللبنانية وظيفة لها ويمكن تحريكها على الرغم من مسارات التهدئة التي تعيشها المنطقة عربياً وإقليمياً. 

لا تظهر معطيات تشير إلى أن الخارج بصدد طرح مبادرة حل تتلاقى حولها كل الدول المعنية بلبنان. وفي هذا الصدد يشير سياسي لبناني متابع إلى أن الخارج يمكنه فرض حل على اللبنانيين شرط التلاقي على وجهة محددة أو صفقة لا تزال غير ناضجة. يمكن للدول الخارجية وأبرزها الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا والسعودية وإيران، أن تقرر مسار الوضع اللبناني حتى بين المرشحين المعلنين أي سليمان فرنجية وجهاد أزعور. ويمكن تأمين الأصوات اللازمة من عدد من الكتل لصالح هذا المرشح أو ذاك، فتميل الكفة لأحدهما. لكن هذا الأمر يحمل أخطاراً كبيرة، وهذا أحد اسباب عدم التوافق الخارجي على مبادرة بالنظر إلى الاختلاف في مقاربة الوضع في لبنان. والمعروف أن الكتل المسيحية تعارض فرنجية فيما الثنائي الشيعي يقاطع أزعور، وبالتالي لا يبدو أن دول الخارج بصدد رعاية تسوية لأحدهما. أما اقتراح اسم ثالث، كمرشح تسوية بين الأطراف المختلفة، فيبدو أنه بعيد المنال، في غياب تقاطعات إقليمية ودولية لانتاج حل للبنان شامل ومستدام.

الحقيقة التي لا تحتاج إلى كثير من التفكير هي أن الفراغ في البلد يُسأل "حزب الله" عنه بالدرجة الاولى، وما الذي يريده للتنازل عن سليمان فرنجية والتفاوض حول اسم ثالث. وعندما يُسال الحزب عن امكان ذلك، يرد بتمسكه بفرنجية على أنه مرشح توافق، ولا يطعن ظهر المقاومة. لذا يجزم السياسي المتابع أنه إذا حددت الجلسة الـ13 لانتخاب الرئيس، فهي ستلقى مصير سابقتها الـ12، لكنها قد تكون اختبار قوة إما للتفاوض، أو لتأبيد الفراغ بعدها، علماً أن الفراغ الرئاسي الذي حدث بين 2014 و2016 عُقدت خلالها 45 جلسة لكنها لم تصل الى نتيجة إلا بفرض المرشح الأوحد حينها ميشال عون. وإذا كانت الظروف مختلفة اليوم، إلا أن "حزب الله" يمتلك أسلحة لم يستخدمها بعد في معركته الرئاسية، قد تعيد خلط الأوراق كلها. سلاح الضغط يمكن أن يكون الأبرز من خلال خلق أجواء متوترة تفيد أن البلد قد يذهب الى انفجارات أمنية في حال تمسك المسيحيين بمرشح المواجهة. لكنه أيضاً قد يذهب بالبلاد الى الفوضى وإلى طرح تغيير التركيبة القائمة أو نسف صيغة النظام.

تمسك "حزب الله" بمرشحه سليمان فرنجية، يُظهر أنه غير منفتح على الحوار إلا حول مرشحه "المقاوم" وهذا يعني إطالة أزمة الفراغ. وفي المقابل تبدو القوى الداعمة لأزعور متمسكة به، على الرغم من حسابات بعض أطرافها لا سيما التيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل. ويُظهر التمسك بالمرشحين أن توازنات الداخل ولدى غالبية القوى لم تصل الى مرحلة الحوار أو التفاوض مع الخارج، فما لم يكن ممكناً التفاوض على اسم مرشح انقاذ، سيطول أمد الفراغ ومعه الانهيار والأزمات، الامر الذي يفرغ مؤسسات الدولة، وهذا ربما ما يراهن عليه "حزب الله" لدفع تيارات مسيحية أساسية للاقتناع بخياره أو التفاوض معه على سلة تفاهمات جديدة.

لكن المخاوف تبقى من طريقة مقاربة "الثنائي الشيعي" خصوصاً "حزب الله" لنتائج الجلسة الانتخابية، وتصعيده بالقول أن لبنان نجا من أزمة كبرى. بالنسبة إلى الثنائي، الانتصار الذي حققه هو بمنعه حصول أزعور على 65 صوتاً لتكريسه رئيساً. ولو حدث ذلك، كانت الامور ستنتقل إلى الشارع وفق السياسي المتابع، ما يذكر بـ7 أيار 2008. لكن أيضاً في ظل الانقسام العمودي في البلد، والشحن الطائفي، كانت ستكون الامور على الضفة الأخرى في حال تقدم فرنجية خطيرة وستنتقل إلى مرحلة أخرى من الدعوات إلى الفيديرالية والانفصال. وهو احتمال يبقى قائماً في حال استمر "حزب الله" بسياسته فرض رئيس بالامر الواقع. ولذا يستمر البلد في شغور طويل وفراغ يهدد كل البنية اللبنانية ومؤسساتها.