يمدّ عيد الأضحى يداً لفصل الصيف لإعادة لبنان إلى موقعه. فالظرف وإن اشتدّ واسودَّ، يبقى عصياً على تدمير هوية أرض تعتنق الصمود. تتعدّد الحفلات والرهان واحد؛ استعادة لبنان مكانته الفنية ورسالته النبيلة. المشهد أشبه بخلية نحل. وهو تعبير مستهلك لكنه يوصّف الواقع. متعهّدو الحفلات لا يهدأون بانتظار موعد الجمهور مع فنانيه وفناناته. المواعيد كثيرة، وهذه الزحمة الخلّاقة تعيد التوهّج إلى مدينة هُشِّمت بالأمونيوم وأبت الموت.
خضر عكنان، متعهّد حفلات لبناني، يشكّل مع متعهّدين آخرين السعي الفردي نحو لبنان الفرح والجَمعات. يُخبر «الشرق الأوسط» أنه أول مَن بدأ يأتي بفنانين من مصر للغناء في بلاد الأرز: «فرضت مرحلة ما بعد (الكوفيد) التحرّك من أجل الحياة. فيما كان من الصعب إقناع بعض الفنانين اللبنانيين بإحياء الحفلات، وجدنا استجابة لافتة من فناني مصر. لم يكن الوضع الاقتصادي في أفضل أحواله. الليرة تنهار وسط هستيريا الدولار، فخشي فنانون فارق العملة والخسائر المالية. من مصر، لم أجد سوى المراعاة».
يُحضر هاني شاكر مع فرقته الموسيقية بقيادة المايسترو بسام بدور، مساء الجمعة في 14 يوليو (تموز) المقبل، للغناء في مدينة صور المقيمة على البحر وسط مراكب الصيادين ورائحة شواء السمك. ففي منتجع «Rest House TYR»، تستمر التحضيرات بما يليق بجمهور فنان من «زمن العمالقة»، يوصّفه عكنان.
ومساء السبت، في 15 يوليو، يرحّب «منتجع شمس الأصيل» على طريق صيدا - النبطية، بصوتين أنيقين؛ ملحم زين ووائل جسار. فنانان لبنانيان يُجمّلان الفن بأصالة الحنجرة. مثل جميل آخر من أرض الفراعنة هو مصطفى قمر الذي يُحيي حفل عيد الأضحى في «بلازا بالاس»، مساء السبت الأول من يوليو، مع الفنانة اللبنانية سارة الزكريا. «نشاء القول إنّ الفن الأصيل له جمهوره، والإقبال على الرقي كثيف»، يقول عكنان منتصراً لعكس السائد، ورهاناته على فورة الغناء الشعبي.
الموعد الأقرب في القياس الزمني، يشهده «هيلتون حبتور» مع نجوى كرم في 29 يونيو (حزيران) الحالي. «اشتقنا نعيش العيد والفرح في بيروت»، تعلن على «إنستغرام». وفي اليوم التالي، الموعد في «كازينو لبنان» مع إليسا وراغب علامة. فنانان من أرشيف غني و«ريبرتوار» يتلألأ. الثلاثي في افتتاح استراحة لبنان في العيد وإعلان موسم الصيف.
الأيام الأخيرة من يونيو وبدايات يوليو مزدحمة بالأمسيات الحيّة. الأول من يوليو يحتضن 3 أسماء في ليلة واحدة؛ محمد حماقي وهيفا وهبي ونادر الأتات، والمتعهّد علي الأتات يقول لـ«الشرق الأوسط»: «نتوقع حضور 1500 شخص».
يغنّي الثلاثي مساء السبت، وهو في طبيعته يختزل المزاج وبهجة الساهرين، مستمداً زخمه من الاطمئنان إلى أنّ الأحد يغفر تسالي الأمس ويحيل البشر إلى الراحة. المكان: «منتجع ومارينا السان جورج»، حيث اليخوت تستريح على وجه البحر والليل يرسل نسائم تخرق الحر وتُهدّئ الرطوبة ليحلو السهر.
وائل كفوري في 29 يوليو، يصدح بحنجرته في أرجاء «الفوروم دو بيروت». حفلاته من الأجمل، حين يعلو بالموّال ويحلّق بالصوت.
من بيروت، إلى «الروكا آيلاند» في شكا الشمالية التي تحتضن عظمة الطبيعة وامتداد البحر. الموعد في 15 يوليو المقبل مع نوال الزغبي بعد النجاحات الأخيرة. الأرض، هناك، قطعة من دهشة. كأنّ كل شيء يتواطأ من أجل أجمل صورة. وفي المكان عينه، يغنّي فارس كرم في 24 يوليو. أغنيات ألبومه الجديد تكفل ترقُّب أجواء حماسية.
الصيف للاشتعال واللهو والأوقات المُرسلة إلى الذاكرة، وسط أيام تُعدّ ولا تُحسب. تزامن المناسبتَيْن؛ الموسم الصيفي وعيد الأضحى، يمنح لبنان زخماً فنياً يُعوَّل عليه لنهوض لا يبدو دائماً سهلاً. هناك الجهد والإرادة والمبادرة الفردية وامتهان اللبناني تجاوز الأسى.
يصف خضر عكنان الإقبال على حفلات هاني شاكر ومصطفى قمر وملحم زين ووائل جسار وسارة الزكريا بـ«الممتاز»، ويتحدّث عن «أسعار تناسب الجميع، تبدأ بـ75 دولاراً، تشمل العشاء». مثل كل متعهّد، يعدّد التكاليف من تذاكر وتأشيرات وإقامة وفنادق، مع فخره بأنه يأتي بأسماء لها وزنها، تحفظ له حُسن السمعة. المتعهّد علي الأتات سعيد بكونه يكسب محمد حماقي للغناء في لبنان للمرة الأولى. يصف هيفا وهبي بـ«شباك التذاكر الرابح»، وشقيقه نادر الأتات بـ«الفنان الذي يحضره جمهور يشبهه».
الأسعار تبدأ من 125 دولاراً تشمل العشاء، «والرقم ليس كبيراً، فكل ما في لبنان باهظ، ابتداء من سعر كيلو اللحم»، وفق قوله. كأي متعهّد أيضاً، يعتريه قلق الأحوال ويحبس أنفاسه حتى موعد الحفل. مع ذلك، الإيمان عميق ببلد، مطاعمه ممتلئة، وأماكن سهره صاخبة. تتعدّد أشكال الحروب، ولا تقوى عليه.