في الآونة الأخيرة، أثبتت الأزمات البيئية الناجمة عن الإحتباس الحراري أن أزمة المناخ تُشكّل الخطر الوجودي الأكبر على البشرية.
وأكّد الباحثون في دراسات حديثة أن العالم فشل في تحقيق الهدف المناخي لاتفاقية باريس، والمتمثل في الحد من الزيادة الحاصلة في متوسط درجة الحرارة العالمية إلى أقل بكثير من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الحقبة الصناعية ومواصلة الجهود للحًد منها إلى مستوى درجة ونصف الدرجة مئوية، وهذا ما يستدعي تدخلاً عاجلاً لوضع حدّ للإنهيار البيئي من خلال تفعيل دبلوماسية المناخ.
ضمن هذا السياق، صدر حديثاً عن دار أبعاد في بيروت، كتاب تحت عنوان «دبلوماسية المناخ - الحلول الدولية والوطنية»، للدبلوماسي اللبناني د. حمزة جمّول (يشغل منصب نائب السفير اللبناني في برلين) والباحثة في جامعة تورينو الإيطالية د. إيمانويلا لوتشي. ويُعالج هذا الكتاب دور الدبلوماسية في التوصل إلى حلول عملية عالمية موحّدة لأزمة تبدّل المناخ.
ويعتبر هذا الكتاب مرجعاً هاماً في هذا المجال كونه يشرح دبلوماسية المناخ، ويشير إلى الجهود التي تبذلها الحكومات والمنظمات الدولية وأصحاب المصلحة الآخرين لمواجهة التحدي العالمي لتغيّر المناخ من خلال الدبلوماسية والمفاوضات، إذ تُعتبر دبلوماسية المناخ ضرورة لتعزيز إطار التعاون المتعدد الاطراف والتعاون الثنائي، كما أنها تلعب دورًا رئيسيًا في تشكيل السياسات والاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية باريس للمناخ.
كما يقدّم الكتاب شرحاً عن دور الدبلوماسية في إدارة أزمة المناخ ويناقش المعاهدات ذات الصلة والتي تُعتبر من النتائج الرئيسية للدبلوماسية الدولية، وعلى سبيل المثال إتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لعام 1992 بشأن تغير المناخ، وبروتوكول كيوتو لعام 1997، واتفاقية باريس 2015. ويعطي دليلاً للجهود الدبلوماسية تُبذل حالياً على المسرح العالمي، فضلاً عن الإستجابات الوطنية الأخرى ذات الصلة.
يتزامَن هذا الإصدار مع بدء التحضير لقمة الأمم المتحدة للمناخ COP28 التي تستضيفها دبي بين 30 تشرين الثاني و12 كانون الأول 2023 ويأتي من الحاجة إلى دراسة قضية تمس حياة كل دول العالم وهي تغير المناخ خصوصاً أن هذا الموضوع لم يُمنح الاهمية التي كان من الواجب أن يحظى بها منذ فترة طويلة وذلك بسبب عدم إعتباره أولوية قصوى سواء لدى الحكومات أو المواطنين على حد سواء.
ضمن هذا السياق، تُشير الوقائع الحالية بأن تبدّل المناخ أصبح يحتّل الاولوية لدى الدول، المنظمات الدولية والمجتمع الاهلي، إذ أدرك الجميع، من مواطنين ومشرّعين، أنّ موارد كوكب الأرض ليست أبدية، بل يتم إستنزافها بسرعة كبيرة وهذا يشكّل أكبر خطر على وجود الحياة البشرية.
يعالج الكتاب ايضاً العلاقة السببية المتنامية بين تبدّل المناخ والحروب والهجرة، إذ توفّر محدودية الموارد الطبيعية أرضًا خصبة للعنف ولإزدهار الجماعات المتطرفة والإرهابية عبر توسيع نطاق تأثيرها، خيث أن تأثير تغير المناخ على النزاعات المسلحة وعلى الأمن البشري هو حقيقة مؤكدة، وبدأ يحتلّ منذ فترة حيّزاً هاماً في نقاشات الدول وداخل المنظمات الدولية خصوصاً الأمم المتحدة في ضوء الدراسات التي تشير إلى أن ما بين 3 % و20 % من نزاعات القرن الماضي نتجت عن عوامل مرتبطة بالمناخ، وستزداد نسبة هذه النزاعات مع إستمرار إرتفاع الإحتباس الحراري.
يعرض الكتاب بعض المقترحات لتفعيل عمل دبلوماسية المناخ خصوصاً انها تواجه عقبات كبيرة بسبب عدم مصادقة العديد من الدول على إتفاقية باريس وعدم إلزامية توصياتها، إضافة الى عدم تلاقي أولويات الدول الكبرى بخصوص تقليص الإعتماد على الطاقة الأحفورية ودفع تعويضات للدول المتضررة فضلاً عن تفاوت أهمية الاستثمار بالطاقة النظيفة بين الدول.
يعتبر الباحثان في الكتاب انه يمكن لوزارات الخارجية في الدول كافة أن تلعب دورًا حاسمًا في الجهد العالمي للتصدي لتغيّر المناخ وذلك من خلال تأسيس مديريات جديدة في هياكل وزارات الخارجية، خصوصاً في الدول النامية، لكي تهتم هذه المديريات المبتكرة حصراً بدبلوماسية تبدّل المناخ بالإضافة إلى تعيين مبعوث خاص للمناخ، ويشير الكتاب الى تجربة عدة دول قامت بهذه الخطوة مثل ألمانيا وإيطاليا وأميركا والمملكة العربية السعودية والإمارات وقطر على سبيل المثال وليس الحصر.
يمكن لوزارات الخارجية وفقاً للكتاب، أن تكون المحرك الرئيسي لإستراتيجيات الدول في مكافحة تبدّل المناخ من خلال العمل على ضمان دمج تغيّر المناخ في جميع جوانب السياسة الخارجية، بما في ذلك المساعدة الإنمائية والسياسة التجارية والسياسة الأمنية، إذ أن مسألة تغير المناخ ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالدبلوماسية، وتحتاج الحكومات والدول إلى الحوار والعمل معًا لمعالجة هذه القضية العالمية.
في الخلاصة، يمكن لدبلوماسية المناخ إحداث تقدّم نوعي في التعاون الدولي لمعالجة الأثار الناجمة عن التبدّل المناخي وتحقيق الهدف الرئيسي لإتفاقية باريس وخلق مستقبل أكثر استدامة لأنفسنا وللأجيال القادمة.
قد يتجلّى هذا الأمر بوضوح بعد تنفيذ الإتفاقيات السابقة وتوفير عامل الثقة بين الدول الإقتصادية الكبرى والدول النامية وتحقيق العدالة المناخية لجهة الأضرار والمسؤوليات، ومن خلال تبنّي عدة ممارسات بيئية صحيحة وإحداث التوازن بين المصالح الوطنية وتلك الإنسانية عند اتفاق الدول فيما بينها على آليات لمواجهة الأثار السلبية لتبدّل المناخ... وإلّا على الدنيا السلام.