يبدأ "وضع النقاط على الحروف" في تفنيد المعطيات الاستباقية الخاصة بجلسة انتخاب رئيس للجمهورية الأربعاء المقبل، من التأكيد على مسلّمات بات في الإمكان قراءة تفاصيلها في صورة الآلة السياسية الانتخابية "العابرة للزمن"، كالآتي: أولاً، تؤكّد معلومات "النهار" اتجاه فريق رئيس مجلس النواب نبيه بري النيابي للتصويت بورقة مكتوب عليها اسم الوزير السابق سليمان فرنجية إذا تأمّن النصاب الحضوري. وتالياً، سيغيب خيار الورقة البيضاء عن "منصّة الاقتراع "بعدما كان شكّل الأسلوب الأكثر اعتماداً واعتياداً على مستوى الجلسات الانتخابية الماضية من جهة محور 8 آذار. ثانياً، تبقى كلّ السيناريوات ممكنة لناحية امكان اكتمال نصاب الدورة الأولى خلال جلسة الأربعاء المنتظر من عدمها، حيث تردّد أوساط الرئاسة الثانية على مسافة أيام من "مفصل يوم الاقتراع" عبارة "المجلس النيابي سيّد نفسه". ولا يمكن حصر أعضاء البرلمان داخله أو إرغامهم على الحضور بما يجعل كلّ الاحتمالات قائمة. ويشمل ذلك تفرّعات جمّة ممكن لأحدها أن يتبلور منها اكتمال النصاب الحضوري أو عدم اكتماله على مستوى الدورة الأولى أو الثانية.
لكن، هناك ايجابية ملوّح بها على مستوى التكتلات السيادية من منطلق ترجيح انعقاد جلسة الأربعاء، كأن يقرأ عضو كتلة "تجدّد" النائب اللواء أشرف ريفي غياب احتمال التغيّب عن الجلسة الانتخاببة المقبلة وسط مسؤولية داخلية أولاً وخارجية ثانياً تحتّم الحضور، في وقت يتطلّب النجاح في الدورة الأولى حضور 86 نائباً ألى قاعة البرلمان. وهذا يتوجب أن يتوفّر... لكن السيناريو المرجّح انطلاقاً من مقاربة ريفي، يتمثل في الهروب من دورة الاقتراع الثانية استناداً إلى ما كان حصل على نطاق الجلسات السابقة. وينطلق ريفي من مؤشرات ومعطيات دالّة إلى توقّع حصول الوزير السابق جهاد أزعور على 65 صوتاً في الدورتين الأولى والثانية، ما يشكّل ضغطاً معنوياً على الفريق الآخر الذي سيفقد النصاب ويحوّل المسؤولية باتجاه الرأي العام اللبناني والمكونات اللبنانية والجهات الخارجية. ويؤدي خيار إعادة كرّة الورقة البيضاء إلى التذاكي في اطار خلفية معروفة الأسباب سواء تمثّل الاقتراع لمصلحة فرنجية أو من منطلق الورقة البيضاء. وفي القراءة الاستباقية للنائب ريفي في ما يخصّ نتائج الاقتراع الأربعاء المقبل إذا اكتمل النصاب الحضوري في الجلسة المقبلة، أن المرشّح ازعور مرتاح على نطاق مؤشر الأصوات بما يزيد عن 10 أصوات مع احتمال بروز مفاجآت إيجابية على مستوى التكتلات السيادية. وفي رأيه، ستجعل الدورة الثانية الجميع أمام مسؤولياتهم مع ضرورة أن يعمد "حزب الله" إلى قراءة وضعه داخل بلد تعدديّ ليس في الامكان جرّه إلى المشروع الايراني. وإذ يحاول "حزب الله" تطبيق ما يشبه "تشخيص النظام في سلاحه" ويحاول الضغط على أي مرشح آخر يشكّل بمثابة مرشح تحدٍّ له، فإن الخطوة المقابلة التي ستتخذها القوى السيادية ويعبّر عنها ريفي ستتمثل في الابتعاد عن خيار الاستسلام والتوحد في مواجهة المشروع الايراني ودحض قراءته غير الصائبة للأوضاع.
وفي غضون ذلك، تلفت أجواء رئاسة المجلس النيابي إلى سعي الرئيس نبيه بري للعمل على إنهاء حال الشغور "الأمس قبل الغد"، وهو يلحظ تحرّكاً شاملاً على مستوى استحقاق الرئاسة ما ساهم في دعوته إلى انعقاد جلسة انتخابية. وتبتعد مقاربته عن التحدّث في "الغيب" ويبقى لأي كان القدرة على ترشيح أحدهم، في وقت تعتبر معطيات الرئاسة الثانية أن الحلّ الوحيد يتمثل في اللجوء إلى الحوار إذا استمرّ التعادل السلبي. ولا استباق للأمور حتى اللحظة بما يخصّ البحث عن اسم مرشح ثالث، إذا لم يستطع كلاً من فرنجية وأزعور الوصول إلى الأصوات المطلوبة لانتخابات الرئاسة.
وفي الأثناء، تلحظ بعض التكتلات السيادية في طبيعة خطاب بعض مكونات محور "الممانعة" أنه لا يتقبّل المسار الدستوري الديموقراطي القائم لانتخابات الرئاسة. ويتلقّف تكتل "الجمهورية القوية" على لسان نائبه رازي الحاج أن محور "الممانعة" يسعى إلى فرض مرشحه على اللبنانيين ويريد الحوار حصراً حول مرشّحه ولا يرضى بأي اسم آخر على تنوعه، فيما التقاطع على اسم جهاد أزعور لم يقتصر على تكتل "لبنان القوي" بل شمل تكتلات متنوعة الأطياف والمشارب ما حوّله إلى مرشح جديّ. ويأتي ذلك، وفق الحاج، في وقت يصرّ "حزب الله" على تخيير اللبنانيين بين إما إيصال مرشحه إلى سدّة الرئاسة وإما استمرار حال الفراغ. ويشارك تكتل "الجمهورية القوية" في جلسة الأربعاء الانتخابية مع اختياره الاقتراع للمرشّح جهاد أزعور الذي دعمته تكتلات قوى المعارضة. ولا تزال علامات الاستفهام قائمة على مستوى الكتل السيادية حول الخيار الذي يمكن أن تعتمده قوى "الممانعة" بين حضور الدورة الأولى من الجلسة الانتخابية أو تعطيلها. وكذلك، بالنسبة إلى امكان اعتماد خيار مماثل على مستوى انعقاد الدورة الانتخابية الثانية أو خروج بعض النواب من قاعة المجلس وفق الأسلوب التكتي المعتمد في دورات سابقة. ويراهن تكتل "الجمهورية القوية" على إبقاء الاتصالات قائمة وانعقاد الجلسة الرئاسية المقرّرة الأربعاء المقبل مع استنكاره استمرار أساليب التهويل القائمة من جانب قوى "الممانعة"، ما يحمل دلالات واضحة على استمرار الاتجاه التعطيلي للاستحقاق الرئاسي. وهذا ما يوسّع نطاق الاستفهامات من ناحية أكبر شمولاً في التساؤل حول كيفية الاستمرار وسط الممارسات التعطيلية.