تنعقد جلسة 14 حزيران الجاري لانتخاب رئيس للجمهورية وسط انقسام حاد يتخذ أبعاداً سياسية وطائفية، ويعكس في الوقت ذاته طابع المواجهة بعدما اختلطت الأوراق والحسابات من دون ان يعني ذلك أن الجلسة ستفضي إلى حسم الرئاسة. ويبدو أن أكثر السيناريوات ترجيحاً للجلسة الـ12 لانتخاب الرئيس، أنها ستلقى مصير سابقاتها التي تعطل فيها النصاب في الدورة الثانية، وقد لا تعقد نهائياً إذا قرر "الثنائي الشيعي" التعطيل في الدورة الأولى، إذا تبين له أن التوازنات قد تؤدي إلى إحراجه بإضعاف مرشحه، وذلك على الرغم من أن فارقاً اساسياً تمثله الجلسة عن سابقاتها بوجود مرشحين تخوض قوى أساسية معركتهما سياسياً وطائفياً.
مع اتفاق الكتل المسيحية وبعض المستقلين وإعلان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط دعمه ترشيح جهاد أزعور، تغيّرت المعادلات، وهو ما دفع "حزب الله" وحلفاؤه إلى شن حملة شرسة يتوقع أن تبلغ ذروتها خلال اليومين الفاصلين عن موعد الانتخاب، ما يؤشر وفق مصدر سياسي متابع إلى احتمال نسف الجلسة من أساسها خصوصاً مع وصول الحملات إلى حد اتهام أزعور بأنه مرشح الأميركيين وجهات تريد القضاء على المقاومة، وأن الحزب سيقطع الطريق على الفتنة.
يتبين من خلال المعطيات أن المعركة الانتخابية بدأت تأخذ البلد إلى اصطفافات قد تفجر ملف الرئاسة نفسه، وهي تطرح تساؤلات كثيرة عما إذا كان بعض الأطراف يريد فعلاً العبور بالاستحقاق إلى بر الأمان. ولأن الملف مترابط بين الداخل والخارج، لا يبدو أن هناك تغطية إقليمية ودولية لإنجاز الاستحقاق في جلسة الأربعاء المقبل، طالما أن الحركة الخارجية تقتصر على بعض الاتصالات والمواقف من دون تحديد موقف حاسم يعبر عن نضوج التسوية الداخلية. وعلى هذا يشير مصدر دبلوماسي مطلع إلى ان الجهات الخارجية لا تعكس مواقف داعمة للمرشح جهاد أزعور ولا تغطية له انطلاقاً من توفير أجواء إقليمية ودولية لانتخابه يمكنها الضغط على "حزب الله" المتمسك بخيار سليمان فرنجية، وبالتالي تبدو نقطة الضعف الرئيسية هي عدم وجود رافعة خارجية لانجاز الاستحقاق. وفي المقابل، لا اتفاق على دعم فرنجية الذي يقتصر على تغطية إيرانية وسورية بعدما تنحت فرنسا ووضعت جانباً "مقايضتها"، فترك الداخل يتخبط بانقساماته واستعصاءاته وفق توازنات الأمر الواقع التي يستطيع من خلالها "حزب الله" نسف الجلسة ورهن الاستحقاق، مستفيداً من خطاب الطرف الآخر واللعب على تناقضاته.
تعتبر الأطراف المسيحية ترشيح سليمان فرنجية تجاوز للإرادة المسيحية، فيما حسمت البطريركية المارونية موقفها الداعم للاتفاق، وعلى هذا تبدو كتل النواب الداعمة للمرشح أزعور أكبر من دعم "الثنائي الشيعي" لفرنجية، لكن محصلة الأصوات للأول، لا تعني أن الطريق باتت مفتوحة لانجازالاستحقاق، فالامور أكثر تعقيداً من مجرد عقد جلسة تشريعية. وفيما بات واضحاً أن الحسابات ليست مواتية لإيصال فرنجية إلى الموقع الأول حالياً، فإنه سيجري تطيير النصاب وربما التعطيل ما يعني أن المواجهة السياسية ستنتقل إلى مرحلة جديدة يمكن فيها الذهاب الى تفاوض جدي برعاية إقليمية أو انتظار تواصل بين الدول المقررة في الشأن اللبناني لرعاية تسوية وإن كان "حزب الله" حاسم بعدم وصول أزعور إلى الرئاسة.
يمتلك "حزب الله" أسلحة لم يستخدمها بعد في معركته الرئاسية، وهي ليست فقط مرتبطة بفائض القوة العسكرية لديه، إنما بخيارات أخرى قد تعيد خلط الأوراق كلها. سلاح الضغط يمكن أن يكون الأبرز من خلال خلق أجواء متوترة تفيد أن البلد قد يذهب الى انفجارات أمنية في حال تمسك المسيحيين بمرشح المواجهة، وهو أمر قد يدفع ببعض النواب اقله إلى عدم التصويت لأزعور، والهدف من ذلك كسر التنوع لدى الجهات الداعمة له سياسياً وطائفياً، وثانياً بالتركيز على أن أزعور مرشح الأميركيين ولا يحظى برضى دولي خصوصاً من السعودية وفرنسا، علماً أن أزعور نفسه كان قد فتح خطوط اتصالات مع أطراف 8 اذار من أجل التوافق وليس المواجهة.
يحاول "حزب الله" أيضاً تقديم سليمان فرنجية على أنه مرشح توافق، وان كان يعتبره المرشح الذي لا يطعن ظهر المقاومة. وانطلاقاً من ذلك سيلعب الحزب على أن رفض فرنجية هو رفض للتوافق والحوار، على الرغم من أن الحوار الذي دعا إليه يدور حول مرشحه ومرشحه نفسه. أما السلاح الأخر للحزب والاضطراري فهو اللعب على الميثاقية ضمن المعايير اللبنانية، فانتخاب الرئيس لا يمكن ان يتجاوز طائفة بكاملها، خصوصاً مع صبّ الـ27 نائباً شيعياً للثنائي أصواتهم لفرنجية، وهذا يعني أن أزعور لن يحصل على أي صوت شيعي، وهو ما يحدث خللاً ميثاقياً سيدفع الجميع الى الذهاب للبحث في التسوية أو العودة إلى الشروط التي يضع "حزب الله" للرئاسة. لكن الأهم أيضاً هو إذا عقدت جلسة الأربعاء المقبل فإن التركيز سيكون لعدم منح أزعور 65 صوتاً والتقليل قدر الإمكان من الأصوات المسيحية له، كي لا يكون هناك شبه اجماع من طائفة واحدة بمكوناتها كلها تصب تصويتها لمصلحته. وتمارس ضغوط على نواب سنة ومستقلين، وايضاً محاولة اقناع نواب الطاشناق بعدم التصويت لأزعور، وهي محاولة لتشتيت الأصوات، طالما أن تحالف الثنائي الشيعي والمردة تصب أصواته في كتلة موحدة.
أمام هذا الواقع والمعادلات المحتملة للانتخاب، قد يتم نسف الجلسة الأربعاء المقبل، وفق المصدر السياسي، إما بتعطيل النصاب من الدورة الاولى، أو حتى بتأجيلها. لكن هذا الأمر لا يمكن أن يحدث إلا إذا كانت الاجواء مفتوحة على التوافق وهو أمر غير متوافر حتى الآن. أما إذا تبين أن هناك تحركاً إقليمياً ودولياً عاجلاً، فيسصبح تاجيل الجلسة احتمالاً قائماً خصوصاً إذا حُددت زيارة المبعوث الخاص الجديد للرئيس إيمانويل ماكرون، جان إيف لودريان إلى لبنان لمناقشة الملف الرئاسي وفق مقاربة فرنسية جديدة.
يراهن البعض أيضاً على حراك داخلي جديد بعد 14 حزيران خصوصاً من جانب وليد جنبلاط الذي رغم دعمه لجهاد أزعور، يؤكد أهمية الحوار. ويركز جنبلاط على التواصل مع رئيس مجلس النواب وأيضاً مع البطريرك الماروني لخفض منسوب التوتر والانقسام الطائفي، وهو يمكن أن يؤدي دوراً أساسياً وفق المصدر السياسي للوصول الى تفاهم، إذا تبين أن هناك وجهة دولية جديدة لإخراج لبنان من أزمته.
تبقى كل الانظار متجهة إلى ما ستكرسه جلسة الانتخاب من اصطفافات وتوازنات، للبناء عليها، خصوصاً التحركات الإقليمية والدولية لإنضاح تسويات تؤدي الى انتخاب الرئيس. لكن التركيز سيبقى حول كيفية تصرف "حزب الله" في حال كانت توازنات الجلسة في غير مصلحته، وما إذا كان سيصعّد بتوتر أكبر، الامر الذي يحدد ما إذا كانت ستتبلور تفاهمات حول الرئاسة، أم أنه سيبقي البلد رهينة خارج التهدئة في المسارات الإقليمية والعربية.