Advertise here

مرشّح المناورة ومرشّح الجدّ!

07 حزيران 2023 07:23:11

في السياسة، لا يمكن المحاكمة على النوايا، إنما على الأفعال. بمعنى آخر، لا يستطيع فريق سياسي معيّن أن يفترض سوء النوايا عند الفريق الخصم، ويحاكمه على هذا الأساس. لا بل المطلوب منه أن «يفضح» الفريق المناوئ له إذا كان فعلاً يمارس الاحتيال السياسي الموصوف.

ليست مناسبة هذا الكلام إعطاء الدروس في السلوكيّات السياسيّة أو البرلمانيّة، فمعظم الكتل النيابيّة، القديمة منها والجديدة، تجيد تماماً أصول اللعبة وتدرك الشكليّات التي قد تتطلبها المناورة السياسيّة من هنا وهناك.

ولكن ثمّة أسئلة مشروعة وطبيعيّة، لا بل بديهيّة، تتصلُ بكيفيّة إدارة هذه «اللعبة» التي صارت مكلفة كثيراً على اللبنانيين على ضوء سياسات التعطيل المتمادي للمؤسسات الدستوريّة تحت مسميات مختلفة وفي كل مرة لأسباب، لو اختلفت في الشكل، إلا أنّها في العمق وفي المضمون تصب في مصلحة الطرف عينه. وهي ترمي، عمليّاً، إلى مصادرة القرار السياسي لشرائح واسعة من اللبنانيين.

في السابق، قيل لأحزاب المعارضة وشخصياتها العديدة والمتنوعة: «هاتوا مرشحكم ولتكن منازلة انتخابيّة»، محددين سلفاً أنّ المرشح السابق هو مرشح تحدٍّ ولا يصح توفير النصاب القانوني المطلوب لجلسة انتخاب رئيس الجمهوريّة لكي يحين موعد انسحابه. وبالفعل، تم «تطيير» نصاب جلسات الانتخاب المتتالية بشكل «منظّم» لا بل مبهر!

وبعد المراوحة والشلل اللذين امتدا على أشهر عديدة، تمّ التفاهم، بصعوبة بالغة يشوبها الكثير من الشكوك المتبادلة، على مرشح جديد للمعارضة، ولم يعد بالإمكان التنصل من أن كل ملف الاستحقاق الرئاسي قد دخل في منعطف جديد وأنّه بات يتطلب مقاربة جديدة للتعامل معه.

وإذ بتصريحات «صادمة» تفترض سلفاً أنّ هذا الترشيح لا يعدو كونه «مناورة سياسيّة وانتخابيّة» الهدف الوحيد منها إسقاط المرشح المقابل بهدف الوصول إلى مرشح ثالث.

على افتراض أنّ هذه المقاربة صحيحة، فإنّها لا تُثبت إلا من خلال الدعوة إلى جلسة والنزول إلى المجلس النيابي وتوفير النصاب الدستوري المطلوب لجلسة الانتخاب وحصول «المنازلة» والاقتراع ومن ثم فرز الأصوات (التي لا تزال يدويّة وبدائيّة ويتخللها كل أشكال الدعابات السياسيّة «غير المهضومة»)، كي يُبنى على الشيء مقتضاه.

طبعاً، هذا ما يفترض أن يحدث في ديمقراطيّة مثاليّة، وهو الواقع الذي لا يشبه مطلقاً الدراما السياسيّة اللبنانيّة، التي تتوالى فصولاً على شكل «إبداعات» ونجاحات خصوصاً على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي الذي تنتظره تعقيدات إضافيّة في الحقبة المقبلة بسبب المراوحة في عدم إقرار أي من الإصلاحات المنتظرة وإهدار فرص الانقاذ الواحدة تلو الأخرى دون أن يكترث أي من المعنيين بالأمر.

ليس في وسع القوى المناوئة لمرشح المعارضة رفض ترشيحه على قاعدة أنه بنظرها مرشح «مناورة»، ولا يمكن الاستمرار في سياسة فرض مرشح دون سواه. صحيح أنّ فكرة «تسلل» (إذا صح التعبير) مرشح معيّن إلى قصر بعبدا غير مرغوب بها لأنها ستؤدي إلى شل عهده من بداياته، ولكن الصحيح أيضاً أنّ التمسك بمرشح دون سواه إلى ما لا نهاية سيعرّض البلاد إلى المزيد من الاهتزازات والمشاكل التي لا تنتهي والتي تكبّد اللبنانيين، من مختلف الشرائح والفئات، أكلافاً باهظة.

الوضع المثالي يتلخص بمحاولة توفير أوسع مروحة تفاهم حول مرشح معيّن بما يُسهّل مهمته المستقبليّة، من دون السقوط في تجربة «الإكراه الطوعي» التي أخضعت لها قوى سياسيّة عديدة في حقبة ما قبل انتخاب العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهوريّة في31 تشرين الأول 2016.

اللبنانيون يطلبون العون كي لا تتكرر تجربة عون!