Advertise here

نمــــاذج

14 حزيران 2019 08:25:00 - آخر تحديث: 19 حزيران 2019 13:20:32

أثناء مناقشة سلسلة الرتب والرواتب ومطالب الأساتذة في إحدى جلسات مجلس الوزراء عام 2012 قال أحد الزملاء الوزراء في تعليقه على تحرّك الأساتذة وإضرابهم "إنهم بلا أخلاق". أثار الكلام موجة تعليقات قوية وكان موضع استنكار وشجب من قبلنا وهذا أبسط الواجب لأن المعلمين يعبّرون عن رأي وحق، ولا يمكن نعتهم بفقدان الأخلاق!!

اليوم نشهد نماذج غريبة عجيبة. لم نعتد عليها في حياتنا السياسية في مقاربة القضايا الوطنية وصلت الى حد احتقار الآخر في لبنان والاستخفاف بعقله وقدراته وحقه في التعبير عن رأيه. منها على سبيل المثال: 

-  لوكنت مكان وزير التربية لعرفت "كيف أربي أساتذة الجامعة"!! كتبت منذ أيام عن الجامعة اللبنانية وتحرّك الأساتذة وحقوقهم وتناولت ما لهم وما عليهم. لكن لا يجوز في أي حال من الأحوال مخاطبتهم بهذه الطريقة فضلاً عن أن صاحب الفكرة ليس المربّي أو المرجع المعني وأن من يمثله في أوساط الأساتذة يشارك في الإضراب والتحرّك!!

-  "نحن الضمانة والحماية في الداخل ومع الخارج". في تلميح الى ما جرى مع رئيس الحكومة عندما "احتجز" في السعودية وقدّم استقالته. كل من تحرك في ذلك الوقت قام بواجب تجاه لبنان ورموزه في مواقع المسؤولية بغض النظر عن المواقف منهم وسلوكهم في ممارسة هذه المسؤولية . وبالتالي ليست المسألة مسألة "منّة" أو  "تربيح جميلة" إذا كان المسؤول حريصاً على الأمانة وموقع المسؤولية دون أن نغفل التقدير لمن يبادر وقد فعلنا ذلك في حينه. 

-  "القرار في بعبدا" إصرار وتأكيد. مع كل الاحترام لبعبدا ومن فيها. القرار لمجلس الوزراء مجتمعاً حسب دستور البلاد. من حق كل إنسان أن يحلم ويتمنى ويسعى الى تحقيق حلمه لكن لا يستطيع أحد وليس من حق أحد أن يتجاوز الدستور والصلاحيات  حتى لو كان المعني بها مقصراً أو غير مهتم، أو لديه أولويات ومصالح تتقدم التركيز عليها مع ما يترك ذلك من انعكاسات سلبية على الميزان السياسي العام في البلاد. ويؤدي الى توترات وخضات نحن بغنى عنها وهم أنفسهم في الموقعين يحاولون ترقيع الأمور اليوم للمحافظة على اتفاق المصالح الذي يجمعهم. ورغم ذلك يصرّ طرف منهم على القول: "الوضع الحكومي والسياسي العام في البلد سيكون كما كان قبل "فشّة خلق  الحريري"!! يعني يتعاملون مع المواقف الأخيرة أنها "فشة خلق" "بالون ونفّس" ولا شيئ سيتغير. 

-  "هذا الضابط يجب أن يكون في السجن". تعليقاً على كلام ضابط متقاعد يتحرك مع زملاء له تحت عنوان الدفاع عن حقوقهم ورفض المساس بها . كانت لنا تعليقات كثيرة حول هذا التحرك . وكان لغيرنا تساؤلات. لكن، الى جانب الضابط ضباط آخرون ينتمون الى فريق الداعي الى وضعه في السجن. فماذا عن هؤلاء؟؟ وماذا عن الوزراء والنواب المنتمين الى الفريق ذاته الذين يؤيدون هذا التحرك؟؟

-  "البعض يتهمنا بالعنصرية لأن الانتماء اللبناني ليس قوياً بما فيه الكفاية لديه ليشعر بما نشعر به". هكذا يشكك بلبنانية أي مواطن يعبّر عن رأيه وينتقد موقف هـذا أو ذاك!! هكذا يعتبر البعض نفسه فوق اللبنانيين . هو الذين يحدد المعايير ونسب قياس الوطنية عند غيره من أبناء البلد؟؟ فماذا يسمى هذا التصرف؟؟ إنه يتجاوز توصيف "فائض الوطنية" أو "اللبنانية العرقية" بل "الذاتية العرقية" ليصل أصحابها الى القول: "كرّسنا مفهوماً لإنتمائنا اللبناني هو فوق أي انتماء آخر. قلنا إنه جيني.." إن مواقف أقل حدة وتحريضاً في التوصيف أدت الى ما أدت إليه سابقاً وتركت في النفوس ما تركت فهل تتكرس وحدة وطنية ويتوفّر استقرار وتتأكد وتترسخ المواطنية الجماعية بمثل هذه التوصيفات والنزعات وهذا النمط من التفكير والتعبئة والتربية والتمييز الجيني؟؟

-  "نعم سنتدخل في كل التعيينات. لأننا نريد تنقية الإدارة وتحريرها من الفساد واختيار الأفضل على قاعدة الكفاءة والجدارة "!!  كلام مهم ولا بدّ من تعميمـه وتطبيقه. ولكن لا يستطيع أحد أن يكرّس نفسه، المرشد المعلم، فيقرر المناهج والبرامج، ويضع أسئلة الامتحان ويشرف عليها ويعلن النتائج!! وفي الوقت ذته لا يقبل لغيره أن يكون شريكاً في المعايير التي حدّدت... نكرّر القول: ليس لدى أحد وكالة حصرية بالمعرفة والعلم والوطنية والأمانة والكفاءة والحرص على الإدارة والمال العام ومكافحة الفساد!! نعم لشراكة وطنية بين المؤمنين بهذه القيم لتحقيق النتائج المرجوة .

-  آخر النماذج "فاقد الكرامة يصعب عليه فهمنا. ومن ليس لديه انتماء لا يتقبل كلامنا". يعني، أي مواطن لا يفهم مواقف هذا الشخص أو هذا الفريق، أياً يكن موقعه، هو فاقد الكرامة!! يا جماعة. يمكن أن يكون هذا المواطن غير قادر على الفهم فهل يصبح بلا كرامة؟؟ وإذا لم يقبل كلام هذا أو ذاك هل يصبح بلا انتماء؟؟

لا. لا يجوز هذا الكلام. لا تجوز هذه العشوائية والعبثية في إطلاق المواقف والتوصيفات. ولا يجوز إسقاط معايير وقيم عن الناس لأنهم يختلفون معنا. لأن هذا لا يمّت الى الثقافة السياسية أو الثقة بالنفس أو الحرية في التفكير والتعبير عن الرأي والتنوّع والديموقراطية  والشراكة في الحياة العامة والالتزام بالانتماء الوطني العام. مثل هذه النماذج في مناهج وبرامج السياسة التي نشهدها لا يمكن أن تؤدي الـــى استقرار. إن السياسة بمفهومها الراقي "شرف قيادة الرجال" كما كان يصفها كمال جنبلاط براء من ذلك!!