قد لا نجد عبر التاريخ ما نُشبّه به قصّة الكهرباء في لبنان، فحتى قصة إبريق الزيت لن تُوفيها حقّها. فالإبريق إذا أضأته سيؤمّن لك نوراً، ووزارة للطاقة ومؤسسة الكهرباء ودولة بأكملها لم يعرفوا حتى كيف يوظّفون الشمس والهواء والمياه لتوليد الكهرباء.
تفلسف المتفلسفون لإيجاد حلّ لأزمة الكهرباء فاختاروا أهون الحلول، وهو تمويل عجز هم سببه، من جيب المواطن.
علت الصرخة مع فواتير الكهرباء الجديدة التي اعتمدت تسعيرة "صيرفة" زائد عشرين في المئة. إذ أتت تسعيرة كانون الثاني وشباط على أساس 104000 ليرة لبنانية، مقرونة مع بداية شباط بتحسّن نسبي في التغذية الكهربائية لامست في بعض المناطق الأربع ساعات في اليوم. إلى عدد الكيلوواط المستهلك، يُضاف ايجار عداد رسم الاشتراك و11 في المئة TVA وطابع.
تماشياً مع التسعيرة الجديدة، أي "صيرفة + 20 في المئة"، ما بقي شخص يعمل على خط تأمين الكهرباء إلّا وقال: "هذه التسعيرة ستُخفف الكلفة على المواطن". والنتيجة أتت عكس ذلك تمامًا.
الأرقام التي ظهرت في فواتير الكهرباء شكلّت صدمة لدى المواطنين، خصوصًا أنّ عدداً كبيراً منهم لجأ إلى الطاقة الشمسيّة بغية التوفير. ما حصل دفع بكثيرين إلى اتخاذ قرار وقف عدادات الكهرباء نهائيًّا ومنهم من سيرفع عريضة اعتراض.
أسئلة المواطنين طرحها موقع mtv على مؤسسة كهرباء لبنان فأتتنا الأجوبة بعد أكثر من 24 ساعة مكتوبة بخط اليد. وهذه حرفيتها:
سؤال: كيف تردّ شركة "كهرباء لبنان" على صرخة المواطن بأنّ الفواتير غير عادلة ومرتفعة جداً؟
جواب: "بالمقارنة مع المولّدات فإنّ سعر الكيلواط في كهرباء لبنان أقل بكثير من أسعار المولّدات".
سؤال: لماذا لا تكون الضريبة متحرّكة وفق المصروف؟
جواب: "الأسلوب والطريقة معتمدان في كل دول العالم".
سؤال: إذا تأمّنت الكهرباء لثلاث أو أربع ساعات وأتت الفواتير بهذه الأرقام، كيف ستكون الأرقام إذا وفى وزير الطاقة بكلامه عن تأمين 10 ساعات يوميًّا بعد وصول الفيول العراقي؟
جواب: "منفتحون على أي اقتراحات من أي جهة كانت لتأمين التوازن المالي فلا يمكن لوزارة المال تقديم أي تمويل لكهرباء لبنان، وسيُحدّد ذلك في حينه".
كارثة فواتير الكهرباء عمّت كلّ المناطق بما فيها منطقة جبيل وضواحيها التي لها مؤسستها الخاصة. وفي اتصال مع موقع mtv، أكّد محامي شركة "كهرباء جبيل" مارك عسّاف أنّ "الشركة تلتزم التسعيرة الرسميّة التي تصدر عن كهرباء لبنان". وعند سؤاله عن مصروف الكيلوواط الكبير في عدد الفواتير وأنّ فواتير سابقة صدرت بصفر استهلاك، قال: "أي خلل نُعالجه بعد التبليغ عنه".
في وقت حاولنا مراراً التواصل مع وزير الطاقة وليد فياض الذي لم يجب على هاتفه، وبعد التواصل مع مستشارته ريتا شاهين أشارت إلى أنّ فياض خارج البلد ووعدت بإعادة التواصل معنا عندنا يعود. إلّا أنّ فياض عاد إلى لبنان وغادر ولم يحصل الاتصال.
وهنا، بعض الأسئلة:
بأي حياء تقولون للمواطن "تسعيرة كهرباء لبنان أقل بكثير من تسعيرة المولدات"، وأنتم المسؤولون أبحتم لأنفسكم السرقة حتى عجز مؤسسة كهرباء لبنان وتركتم مافيات المولّدات تتحكم برقاب المواطنين؟
كيف للمواطن أن يراقب الاستهلاك عن شهري كانون الثاني وشباط ما دام التقنين السابق للكهرباء لم يسمح للجباة بتحديد رقم الاستهلاك على العدادات بشكل دقيق؟
لِمَ يدفع المواطن ايجار عداد رسم الاشتراك وقد سبق له أن سدّد ثمنه للشركة على أساس الـ1500؟
العدالة تبدأ من مبدأ الضريبة التصاعديّة، فلماذا هذا المبدأ بعيد عن تفكير المسؤولين في لبنان؟
أين كانت كهرباء لبنان ووزارة الطاقة يوم لم يكن بإمكان الجباة جباية الفواتير في مناطق محدّدة وتمنّع مؤسسات تابعة للدولة عن دفع فواتيرها، واليوم تحمّلون العجز لمن كان يدفع أصلًا فاتورته؟ ولا ننسى طبعًا تأثير النزوح السوري والمخيمّات على وضع كهرباء لبنان.
باختصار، وكأنّ الدولة تقول لمواطنيها "عيشونا"... أو ركّبوا طاقة شمسيّة وأوقفوا الاشتراك مع مؤسسة كهرباء لبنان.