الأندية الإيطالية بعد الثلاثية: فرص ضائعة وآمال معلّقة

01 حزيران 2023 08:21:10 - آخر تحديث: 01 حزيران 2023 08:22:55

كانت أعوام العقد الأول بعد العام 2000 حقبة ذهبية إيطالية، فوَصلَ كلّ من ميلان وإنتر ميلان ويوفنتوس إلى النهائيات الأوروبية. لكن في السنوات التي تلتها كافحت الأندية الإيطالية لتكرار هذا النجاح، فتحمّلت جماهير «سيري أ» خيبات أمل متتالية في العقد الثاني، مع تدهور مستوى أنديتها وميزانياتها.

 

 

عادت الآمال الإيطالية بالفوز بلقبٍ قارّي إلى أوجها مع وصول أندية إنتر ميلان إلى نهائي دوري أبطال أوروبا (ضدّ مانشستر سيتي الإنكليزي في 10 حزيران)، وروما إلى نهائي الدوري الأوروبي (ضدّ إشبيلية الإسباني في 31 أيار)، وفيورنتينا إلى نهائي دوري المؤتمر (ضدّ وست هام يونايتد الإنكليزي في 7 حزيران). كما أنّها المرة الأولى منذ 17 عاماً التي تشهد فيها المسابقات القارية وصول 3 أندية إيطالية إلى ربع النهائي.

وهذه الفَورة الإيطالية، خصوصاً بعد تألّق نابولي في دور المجموعات من دوري الأبطال وميلان الذي وصلَ إلى نصف نهائي المسابقة القارية الأولى، يُؤمَل منها أن تكون ثورة تُعيد أندية «سيري أ» لتكون رقماً صعباً في البطولات القارية في ظلّ تقدّم مستوى أندية الدوري الإنكليزي الممتاز والدوري الإسباني، وزيادة الاستثمارات في الأندية الفرنسية مثل باريس سان جيرمان ونيس ومارسيليا.

 

تاريخياً، تَحدُث المعجزات الإيطالية عندما يكون الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي كارثياً حتى من دون الملايين التي تُصرَف في كرة القدم الإنكليزية والإسبانية، وهو ما تكرّر هذا الموسم على رغم معاناة المنتخب الوطني الذي فشل في التأهل إلى آخر نسختَين من كأس العالم.

 

نابولي: بداية صاروخية وهدوء في النهاية

لم يُنفق نابولي أموالاً طائلة في سوق الانتقالات الشتوية الأخيرة، بل اقتصَدَ إلى الحَد الأقصى (أنفقَ 18 مليون يورو فقط) على الرغم من مغادرة لاعبي الصف الأول مثل الحارس الكولومبي دافيد أوسبينا، القائد لورنزو إنسينيي، البلجيكي دريس مرتنز، السنغالي خاليدو كوليبالي... إلّا أنّ لاعبين مغمورين مثل الجورجي كفيرا كفاراتسخيليا، الكوري الجنوبي كيم جاي، الحارس المكسيكي أليكس مريت، النيجيري فيكتور أوسيمهن... قلبوا الموازين فأثبتوا بأنّهم أعلى شأناً مِن أسلافهم.

 

حصدت الكتيبة الجنوبية، بقيادة المدرب لوتشيانو سباليتي، لقباً ثالثاً في تاريخ نادي المدينة الفقيرة وأوّلاً منذ عهد الأسطورة الأرجنتينية دييغو أرماندو مارادونا. وكان هذا التتويج مسك خِتام لفورةٍ هائلة منذ مطلع الموسم حتى منتصف النصف الثاني منه، بسلسلة انتصارات وأعداد هائلة من الأهداف في «سيري أ» ودور المجموعات من دوري الأبطال. لكنّ هذه الفورة انتهت مع تقدّم الأدوار الإقصائية في المسابقة القارية على يَد الغريم الشمالي ميلان.

مشكلة فقدان النجوم

 

المشكلة الوحيدة لنابولي في الاستمرارية ستكون رحيل أوسيمهين وكفاراتسخيليا إلى أندية القمة في إنكلترا أو إسبانيا، في ظل تَعنُّت رئيس النادي الجنوبي أوريليو دي لاورينتيس أمام وُجوب رفع قيمة أجرَيهما والحوافز المالية في عقدَيهما. هذا الأمر، تكرّر مراراً مع دي لاورينتيس المعروف بمُجابهته لفكرة الإنفاق المُفرَط ودفاعه عن فكرة «الحَدّ من الإنفاق في السوق من أجل لَجم نسَب التضخّم في أسعار اللاعبين» بعد دخول الاستثمارات الآسيوية والأميركية إلى أندية غرب وجنوب أوروبا.

ويستحق سباليتي (63 عاماً) الفضل الكبير في «ثورة نابولي» الذي يحتلّ مركزاً أعلى من الثالث في المواسم الأخيرة، إلّا أنّ المدرب التوسكاني أوجَدَ تَوليفة شرسة بلاعبين مغمورين ومتعطّشين، مُعتمداً على خطة 4-2-3-1 لاستخلاص القتالية القصوى منهم في الضغط العالي لافتكاك الكرة في وسط الملعب، والسرعة في نقلها بين الخطوط للوصول إلى مرمى الخصم.

المشكلة عينها تتكرّر لدى ميلان وإنتر اللذين فشلا في الاحتفاظ بالعديد من أفضل لاعبيهما في السنوات الأخيرة، أمثال العاجي فرانك كيسييه والحارس جيانلويجي دوناروما (من ميلان) المغربي أشرف حكيمي (إنتر). ومن المقرّر أن يخسر «نيراتزوري» مع نهاية الموسم مدافعَيه السلوفاكي ميلان سكرينيار والهولندي ستيفان دي فري بالإضافة إلى المهاجم البلجيكي روميلو لوكاكو، الأمر الذي سيُجبر النادي على الانفاق بسخاء صيفاً إذا أراد الاستمرار في المنافسة الموسم المقبل.

 

عودة إلى القمة

 

يُصرّ لويجي دي سيرفو، الرئيس التنفيذي لدوري الدرجة الأولى الإيطالية، أثناء حملة ترويجية لبيع حقوق البث التلفزيوني للدوري في أميركا الجنوبية الشهر الماضي، على أنّ الـ«كالتشيو عَاد»، وهذا ليس مجرّد شعار، بل يعني أنّ كرة القدم الإيطالية عادت أخيراً إلى قمة الرياضة العالمية، ليس فقط بسبب نتائج أنديتها، بل بسبب حزمة الترفيه الشاملة». وأوضَح: «لقد أمضَينا السنوات الـ4 الماضية في تحسين المنتج لِجَعله أكثر جاذبية ووَضعِه على نفس مستوى أفضل الأحداث الرياضية في العالم».

لكن هل عاد الـ«كالتشيو» حقاً؟ هل هو «الأفضل في أوروبا»؟ الإجابة عن السؤال الأخير تبدو سهلة وشبه محسومة، وهي لا. أمّا بالنسبة الى ما يخصّ العودة، فيبدو أنّ المدرب السابق للـ«أتزوري» فابيو كابيلو لا يزال غير مُقتنع تماماً باستمرارية العودة على الساحة القارية لأندية بلاده.

 

ويرى كبيلو أنّ هناك عنصر «الظرفية»، فيشرح: «حَسمَ نابولي اللقب عملياً في أوائل الربيع بتقدّمه بفارق 15 نقطة، وبلغ ثمن نهائي ثم ربع نهائي دوري الأبطال، ما أتاحَ له بعض الفسحة للتركيز على فتح آفاقٍ قارية جديدة، وهو ما لم يحدث. وهنا السؤال: لماذا لا تُركّز على أوروبا؟».

ويضيف مدرب ميلان السابق، مُختَرعاً إضافية لتدعيم رأيه، فيرى أنّ «عقوبة حسم النقاط من يوفنتوس في كانون الثاني أدّت دوراً مُشوّهاً، فخَلقت بيئة يمكن فيها للفِرَق التي لديها طموحات في الانتهاء من المراكز الـ4 الأولى، مثل ميلان وإنتر وحتى روما، أن ترفع أرجلها عن الدواسة محلياً، فأعطَتها مزيداً من الدفع قاريّاً بالإضافة إلى حظّها الجيد بنتائج القرعة».

 

بكلامٍ آخر، لا يمكن نَقض كابيلو لأنّ أندية «سيري أ» لم تَتقارَع مع فرق القمة في دوري الأبطال (ريال مدريد، مانشستر سيتي، بايرن ميونيخ، باريس سان جيرمان)، بل تواجهت مع بنفيكا البرتغالي وفيما بينها، فتسلّق إنتر الدرج إلى نهائي اسطنبول. وكذلك فعلَ روما في «يوروبا ليغ» وفيورنتينا في «كونفرنس ليغ».