ليست الأنباء الواردة عن تعثر توفر السيولة المطلوبة لتسديد رواتب وأجور موظفي القطاع العام إلا شكلاً جديداً من أشكال الانهيار الذي تتوالى فصوله بأبشع صورها دون أن يكترث عمليّاً أصحاب قرار الفصل والوصل بتغيير الوضع القائم.
من الممكن دوماً البحث عن حلول “ترقيعيّة” وإجراءات مبعثرة من هنا وهناك لتسيير الوضع القائم “بالتي هي أحسن”، ومن الممكن أيضاً الإيحاء للبنانيين، من ضمن سياسة كذب مبرمجة، أنّ الوضع القائم ليس آيلاً إلى المزيد من السقوط. ولكن، لن تنفع هذه الإجراءات المتفرقة والتي لا تأتي ضمن سياسة واضحة ومبرمجة يمكن من خلالها العمل على إخراج البلاد مما تتخبّط فيه منذ نحو ثلاث سنوات على الأقل.
الرئاسة الأولى شاغرة، والحكومة هي حكومة تصريف أعمال، والمجلس النيابي لا يجتمع لانتخاب الرئيس قبل التفاهم على هويته، والإدارات العامة والحكوميّة تعيش حالة من الشلل والترهل، و”السلطة” القضائيّة المفترض أنها مستقلة تعيش بدورها سقوطاً مدوياً سواء في أدائها أو في صورتها التي تفتقد “مثاليتها” وتطيح بدورها المركزي في تكريس الانتظام العام لناحية فصل السلطات وتعاونها وتوازنها.
أما الاقتصاد، فحدّث ولا حرج. قد يرى البعض في بعض “الظواهر” نجاحاً باهراً مثل ازدهار حركة المطاعم وبعض المنتجعات السياحيّة، ولا ضير فيها طبعاً. والبعض الآخر يعتبر أن قدوم اللبنانيين من المغتربات لتمضية فصل الصيف من شأنه أن يغيّر الواقع القائم.
إلا أنّ التعويل على أن ينهض هذا القطاع الذي تغيثه حصراً الطبقة المخمليّة في لبنان بالاقتصاد برمته ينطوي على تفاهة وسطحيّة لن تقدما حتماً الحلول المرجوة التي تتيح الخروج من النفق المظلم الذي يزداد ظلاماً مع مرور الوقت.
لعل الترف السياسي الذي تمارسه بعض الأطراف والكتل البرلمانيّة في ملف انتخابات رئاسة الجمهوريّة المعطلة منذ سبعة أشهر يعكس غياب الأخلاق السياسيّة وقلة الاكتراث لشؤون اللبنانيين وهمومهم ويأسهم وقلقهم حيال مستقبلهم ومستقبل أولادهم. بعض الكتل النيابيّة تمارس عملها المعتاد فعلاً دون الأخذ بالاعتبار الخسائر الفادحة التي تتكبدّها البلاد جرّاء هذا الفراغ والانهيار الكبير الذي تعيشه البلاد.
المدخل الجدي والطبيعي والوحيد لإخراج البلاد من أزماتها المتنامية والمتراكمة يبدأ بانتخاب رئيس إصلاحي يحظى بالثقة ويؤدّي انتخابه إلى صدمة إيجابيّة تغيّر الواقع القائم وتضع على السكة الإصلاحات المطلوبة.
يستحق اللبنانيون واقعاً أفضل ومسارات مستقبليّة أكثر وضوحاً تتيح لهم إعادة ثقتهم الضائعة بوطنهم.