بمعزل عن التقدم الحاصل بين "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر"، والذي لا يزال بحاجة إلى أنضاج وصولاً إلى الاعلان الرسمي عن تبني جهاد أزعور مرشحاً للرئاسة في مواجهة سليمان فرنجية، فإن المؤشرات الخارجية لا تدل على أن هناك ضغطاً لدفع الجميع إلى التوافق وإنجاز تسوية تؤدي إلى انتخاب الرئيس. فلا وجود لمبادرة عربية تشكل رافعة للاستحقاق، ولا مواقف إقليمية ودولية مهتمة به، على الرغم من رهان البعض على موقف فرنسي متجدد بعد زيارة البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى باريس، علماً أن الفرنسيين مستمرون بخيار فرنجية، وهم ابلغوه لجبران باسيل خلال زيارته الأخيرة للعاصمة الفرنسية.
الثابت حتى الآن أن لا جهة وازنة في الساحة المسيحية توافق على اسم فرنجية، فيما لا تزال الالتباسات تحيط بموقف "التيار الوطني الحر" من تبني أزعور. وفي المقابل لا حوار داخلياً للتوافق على صيغة تسوية واختيار شخصية وسطية، إن كان قائد الجيش جوزف عون أو حتى جهاد أزعور الذي يرفض أن يكون مرشح مواجهة، ويريد أن يتم تبنيه بالتوازي مع اكتمال مقومات التسوية، خصوصاً وأن "حزب الله" متمسك بـ"مرشحه الطبيعي" سليمان فرنجية وفق النائب حسن فضل الله، ويدعو في المقابل إلى الحوار كخيار وحيد من أجل الوصول إلى حل لملف الرئاسة، إنما من دون "شروط مسبقة وفرض الخيارات على الآخرين".
يتضح من التطورات المتعلقة باستحقاق الرئاسة، أنه لا يمكن انجاز الانتخاب من دون مظلة عربية وإقليمية، فالعوامل الداخلية تتقاطع مع أبعاد إقليمية ودولية، بصرف النظر عن تبني مرشح من هذا الطرف أو ذاك. الوقائع السياسية الداخلية تشير إلى أن "حزب الله" يعتبر مع حلفائه الداعمين لفرنجية أن التطورات الإقليمية والمسارات المرتبطة بها، من الاتفاق السعودي- الإيراني، إلى عودة النظام السوري للحضن العربي، تصب كلها في مصلحته لبنانياً، ولا بد من أن ينعكس ذلك خارجياً بتسوية أو صفقة تؤدي إلى انتخاب فرنجية رئيساً. وهو يستند أيضاً إلى التغطية الفرنسية مراهناً على أن باريس لن تغير موقفها، فيما الانفتاح العربي على إيران وسوريا سيدفعها أكثر إلى السير بدعم فرنجية. والاهم أن الحزب الذي استعرض قوته العسكرية في ذكرى التحرير ووجه من خلالها رسائل إلى الداخل والخارج، يؤكد أنه لا يتنازل عن مكاسبه.
المعنى الداخلي لاستعراض السلاح "المقاوم" يُفسر داخلياً وفق مصدر سياسي متابع أنه ترجمة لإيصال مرشحه سليمان فرنجية إلى الرئاسة، مراهناً على تغيير في المسارات الإقليمية لانتخابه ومترافقة مع ضغوط لإقناع قوى داخلية لا سيما التيار العوني برئاسة جبران باسيل إما بتأمين النصاب أو الانتخاب، وتوفير شروط تعزيز موقع الأخير في المعادلة السياسية، وقطع الطريق على تبني التيار خيار جهاد أزعور، رغم الشكوك المحيطة بموقف باسيل في السير بهذه العملية. ويشير المصدر إلى أن مواقف "حزب الله" الأخيرة وممارساته تزيد الشرخ داخل التركيبة اللبنانية، إذ لا يُفهم من المناورة العسكرية الأخيرة ورسائلها الاستباقية واستعراض القوة أنها فقط لإظهار الجاهزية في أي مواجهة مع إسرائيل، بل لها معاني كثيرة داخلية لبنانية، تضاف إلى كلام السيد حسن نصرالله الاخير المستقوي بفائض القوة والسلاح، ليقدم الحزب نفسه أنه الأقوى والقادر على تغيير المعادلات وتكريس الاختلال في موازين القوى وترسيخ الهيمنة الطائفية، والاهم أنه يقول للجميع أن سلاحه خارج النقاش في أي بحث لانتاج تسوية للأزمة في لبنان.
في المقابل لا تزال الأطراف المسيحية تسعى إلى انجاز الاتفاق النهائي على اسم جهاد أزعور، قبل زيارة البطريرك الراعي إلى فرنسا. والهدف تحقيق خرق لتغيير موقف باريس بتبني مرشح جديد في مواجهة فرنجية. ويبدو أن هذه القوى إذا أنجزت الاتفاق تسعى لتأمين تغطية دولية لانتخاب مرشحها، أي أن خياراتها أيضاً ترتبط بمسارات خارجية. يتبين أن القوى الرافضة لانتخاب فرنجية تراهن أيضاً على تطورات إقليمية ودولية تدعم موقفها، فالمنطقة بالنسبة اليهم تتجه إلى تسويات ستنعكس على الساحة اللبنانية وبالتالي لا يمكن انتخاب رئيس إلا بتسوية وليس رئيساً تفرضه قوة لبنانية تتمسك بالسلاح. وهي ايضاً تراهن على تطورات تصب في مصلحتها انطلاقاً من أن السعودية ستبقى لاعباً مقرراً في الشأن اللبناني، وبالتالي لن تغطي خيار الممانعة بانتخاب فرنجية.
لكن الواقع على ضفة المعارضة وتحديداً في الساحة المسيحية لا يمكن التكهن بنهاياته حول الاتفاق على اسم أزعور، إذ أن الامر يحتاج إلى تفاهمات حول صيغ تتخطى الرئاسة. فالأمور وفق المصدر السياسي المتابع لا تزال ضبابية لا سيما لجهة حسم جبران باسيل موقفه خصوصاً مع تمسك "حزب الله" بفرنجية. يُدرك باسيل أن السير في الاتفاق مع القوات بخيار أزعور سيؤدي إلى نوع من القطيعة مع الحزب، وهذا هو السبب في عدم حسم موقفه نهائياً لإبقاء الصلات مفتوحة معه. وحتى لو حسم باسيل خياره، إلا أنه سيبقي وفق المصدر على إمكان نسج تسوية من تحت الطاولة مع "حزب الله" إذا ذهبت الأمور إلى جلسة انتخابية، فيؤمن النصاب لكنه يوزع اصوات كتلته في شكل لا يسجل عليه أنه انتخب فرنجية أو أحدث قطيعة مع الحزب. لكن لذلك حسابات وايضاً مقابل سياسي للتيار الوطني الحر في المرحلة المقبلة. ويستند المصدر في مطالعته إلى ما حدث من خلافات داخل كتلة لبنان القوي في مرحلة سابقة، خصوصاً المواقف التي اعلنها النائب آلان عون وطوى معها صفحة أزعور وإصراره على ترشيح عضو من التكتل. وهذا الامر يمكن أن يتكرر في المرحلة الحالية انما في شكل مختلف.
كل هذه الوقائع لا تعني أن انتخاب رئيس الجمهورية بات قريباً، فتبني أزعور يحتاج إلى ترتيبات داخلية كثيرة على مقلب المعارضة والتيار الوطني الحر، ومعها تأمين العدد الكافي من الأصوات من النواب السنة واللقاء الديموقراطي والمستقلين. الامر يحتاج أيضاً إلى غطاء اقليمي ودولي باعتبار أن الاستحقاق مرتبط أيضاً بمسارات التسوية. حتى الآن لا مؤشرات خارجية تعطي دفعاً للاستحقاق، وفي الوقت نفسه لم تثبت قوى المعارضة أنها قادرة على فرض وضع جديد على "حزب الله" أو تغيير مقاربته، بما يعني بقاء سليمان فرنجية مرشحاً أوحد مع استمرار الفراغ، خصوصاً وأن دعوته للحوار حول الرئاسة تأتي من استعراض القوة التي لا يتنازل معها عن المكاسب التي حققها في سوريا ولبنان.