Advertise here

باكستان أمام الإمتحان

23 أيار 2023 08:01:43

خرجت باكستان من امتحان عسير كاد أن يُهدد استقرارها الداخلي، وجولات التحقيق القضائي مع رئيس الوزراء السابق عمران خان وضعت البلاد امام خيارات صعبة، واحدة منها احتمال نشوء فوضى او حرب أهلية لا سابق لها، بينما تتخبط الدولة في أزمة سياسية واقتصادية خانقة، وتركيبة باكستان السكانية وموقعها الجغرافي في وسط آسيا وقربها من الشرق الأوسط وامتلاكها للسلاح النووي؛ يعطيها مكانة حساسة وهامة في التوزُّع الجيوسياسي القائم، وأي اختلال فيها يؤدي الى اختلال في استقرار المنطقة وتوازناتها الهشَّة. 
أثار توقيف عمران خان في 9 مايو/أيار موجة احتجاجات واسعة، وكادت أن تؤدي الى اضطرابات لا تُحمد عقباها، ولولا إبطال المحكمة العليا لقرار توقيف خان؛ لكانت الأوضاع تفاقمت أكثر فأكثر، وربما أدى الأمر الى اشعال حرب أهلية داخلية، وفقاً لتوصيف استخدمه بيان صادر عن الجيش الباكستاني، متهماً مجموعات معارضة بدفع البلاد نحو الفوضى.
يعاني 220 مليون باكستاني من تفاقم منسوب التضخُم في الأسعار – لاسيما أسعار المواد الغذائية – الى حدودٍ مرتفعة جداً، في الوقت التي تعثرت فيه المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ولم يتم الوصول الى اتفاق معه حتى الآن، بالرغم من تحييد عمران خان عن الحكم منذ ما يزيد عن السنة، والحكومة الجديدة ليس لديها مشكلات مع الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا كما كان عليه الحال مع الرئيس خان، حيث قيل أن هذه العلاقات غير السوية سبباً لعدم الوصول الى اتفاق مع الصندوق.
عمران خان الرياضي الشهير الذي فاز في انتخابات العام 2018 ووصل الى منصب رئيس الوزراء - وهو الموقع الأهم في هيكلية الحكم في باكستان - أحدث تغييراً جوهرياً في موقع البلاد السياسي، وغير من تموضعها على المستوى الخارجي. وهذا التغيير صنع له مشكلات كبيرة مع حلفاء اسلام آباد التقليديين، لاسيما منهم الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، وقد أتهم هؤلاء خان بالإنحياز الى الصين وروسيا، خصوصاً بعد إصرار خان على عدم الغاء زيارته لموسكو في ذات الفترة التي اندلعت فيها الحرب مع أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، ولا قت زيارته انتقادات غربية واسعة.
الجيش الباكستاني الذي يتمتع بنفوذ سياسي واسع في البلاد منذ الإستقلال في العام 1947؛ كان قد ساند عمران خان إبان خوضه للإنتخابات للمرة الأولى في يوليو/تموز 2018، وحضيت حركة الإنصاف التي يتزعمها خان بحماية أمنية واسعة، بعد التهديدات التي تلقتها من انصار رئيس الوزراء السابق نواز شريف. لكن الوضع تغير على شاكلة واسعة بعد تجربة 3 سنوات من حكم عمران، والأخير يتهم قادة من الجيش بمساندة خطة نزع الثقة عنه في البرلمان في نيسان/ابريل 2022، وأكثر من ذلك؛ فإن خان اتهم قادة من مخابرات الجيش بالوقوف وراء عملية الإغتيال التي تعرض لها وأصيبت ساقه بالرصاص في تشرين الثاني/نوفبر 2022، برغم أن الجيش أوقف مطلق النار، وهو مازال في السجن.
تحتاج باكستان أكثر من أي دولة أخرى الى الإستقرار، فهي مكبَّلة بمجموعة كبيرة من المشكلات، ولديها حدود واسعة مع جيرانها، وهي ليست على تفاهُم واسع معهم، او أنهم يضمرون لها الضغينة. وخروج الجيش الأميركي من أفغانستان في آب/أغسطس 2021 القى أعباء أمنية كبيرة على باكستان، برغم محاولات الجيش احتواء المضاعفات وتنظيم العلاقات الخلافية مع حركة طالبان الأفغانية، بينما التوتر الباكستاني – الهندي يركُد ويتفاقم من وقتٍ لآخر، من دون أن يتم الوصول الى اتفاق نهائي ثابت بين البلدين الكبيرين اللذين يملكان سلاحاً نووياً فتاكاً. وإذا كانت حدود باكستان الغربية مع ايران أقل توتراً؛ لكنها ليس خالياً تماماً من الخطر، والمجموعات الإرهابية تحاول الإستفادة منها للولوج الى أهدافها التخريبية.
لا يمكن الإستخفاف بمدى خطورة المواجهات التي حصلت بين مناصري عمران خان والجيش يوم 9 أيار/يناير على أثر توقيف خان من قبل محكمة مكافحة الفساد، وقد وصل الأمر الى حالة من الفوضى، لاسيما في ولاية البنجاب الكبيرة وعاصمتها لاهور، وسقط عدد من القتلى في صفوف الفريقين، بينما أوقف الجيش ما يزيد عن 2000 شخص من المحتجين، بعد مهاجمة عدد من الثكنات العسكرية. وقرار المحكمة العليا بإلغاء قرار حبس خان لمدة 8 أيام؛ أخمد الفتنة، ولكن قادة حركة الإنصاف التي يتزعمها خان، يرون أن الوضع سيتفاقم في المستقبل إذا ما لجأت المحكمة الى إصدار قرار يمنع خان من الترشُح للإنتخابات المزمع تنظيمها في وقت لاحق من هذا العام.
الموقفان الأميركي والبريطاني مما جرى في باكستان، واللذان صدرا عن مؤتمر صحافي مشترك لوزيري خارجية البلدين؛ كانا مُستغربين، ويبدو واضحاً أن البلدان الصديقان لباكستان، واللذان تربطهما علاقات تاريخية مع اسلام آباد؛ لم يستنكرا ما حصل مع عمران خان، بل دعيا الى احترام القانون والإجراءات الصادرة بموجبه، وقد فهم من هذا الموقف تأييداً منهما لتدابير المحكمة بحق خان.
المحكمة العليا نزعت مؤقتاً فتيل التفجير، لكن استدعاء خان أمام ديوان المحاسبة قد يفاقم الوضع من جديد، والإستقرار في باكستان مازال أمام الإمتحان.