Advertise here

اللامركزية مطلب دستوري إصلاحي... ومقاربات متعدّدة

22 أيار 2023 07:30:00

تعكس أزمة تعطيل النظام اللبناني وغياب احترام مندرجات الدستور أو الاستنسابية في تطبيق بنوده، جوجلة دائمة وبحثاً متواصلاً عن حلول في "مدارات" المقترحات التي تبدأ من تأكيد ضرورة تفتيت "الشرنقة التعطيلية" وعودة المتنفّس إلى الحذافير الدستورية.

وتبقى اللامركزية على رأس قائمة المصطلحات الأكثر تناولاً وتداولاً على نطاق قوى سياسية حاضرة جماهيرياً، فيما كان اقترح رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط قبل أيام أن "نطبّق ما طُرح في اتفاق الطائف لناحية اللامركزية الإدارية الموسّعة؛ وأنا أقبل بنسبة معيّنة بصلاحيات مالية للمناطق".

وكذلك، يسعى حزب الكتائب للعمل باتجاه بلورة خطوات نحو اللامركزية في السنوات المقبلة من خلال تفعيل مبادرات فردية وتشجيع الجمعيات والأفراد الراغبين في المبادرة على دعم مشاريع إنمائية محلية تحدّ من نزف الهجرة. وفي الغضون، يطالب "التيار الوطني الحرّ" باللامركزية الادارية والمالية في برامجه الانتخابية ومواقفه في اعتباره أنها تشكّل ترتيباً مناطقياً هادفاً إلى الانماء المتوازن.

ولا تعارض غالبية الأحزاب الإضافية اللامركزية التي تحظى بجماهيرية ملحوظة على مستوى المكوّنات البرلمانية، لكن التباينات تقوم بينها حول الكيفية التطبيقية والهامش المالي الممكن اتاحته. ويقرأ مواكبون علميّون لطرح اللامركزية مجموعة إشكاليات تحول من دون ترجمتها الفعلية حتى اللحظة، رغم أنها تشكّل بنداً أساسياً في وثيقة اتفاق الطائف. أوّلها، الهواجس المعترية بعض القوى السياسية من اللامركزية في كونها تخشى معناها التطبيقي. وكانت عُقدت 67 جلسة للجنة الفرعية ناقشت مشروع قانون اللامركزية الادارية في مجلس النواب.

ولكن لوحظ أن ثمة مقاربة غير دقيقة لمفهوم اللامركزية من بعض المكوّنات بما يشير إلى حاجة لمعالجة الموروث المفهومي مع الوقت. وثانيها، الحذر الذي تبديه بعض الأحزاب من اللامركزية في اعتبارها تتعارض معها، في موازاة الخدمات القائمة على أساس الولاء السياسي. وثالثها، غياب إعطاء اللامركزية أولوية حقيقية وسط لحظة سياسية تتخبط فيها البلاد، علماً أن المراقبين يتناولون مرحلة جائحة "الكوفيد" التي أثبتت دور البلديات إلى جانب وزارة الصحة.

وتاريخياً، تجسّدت محطة قائمة على اللامركزية الادارية عام 1963 مع تأسيس البلديات، لكنها عادت وصارت أكثر وضوحاً من خلال قانون البلديات الصادر سنة 1977 في المرسوم الاشتراعي 118 كمدماك أساسيّ كان أرسى حالة لامركزية وقتذاك لناحية التأكيد على دور البلديات كسلطات محلية منتخبة ومتمتعة باستقلالها المالي والإداريّ. ثم ذُكرت اللامركزية تحت عنوان "إصلاحات النظام" مع دخولها حيّز الاجماع، فيما اعتبر الذين كتبوا عن اللامركزية أنها تعني "الموسّعة بالصلاحيات"، أي ضرورة أن يكون لديها واردات كافية مؤمنة للمناطق والمجالس المنتخبة للاضطلاع بدورها وممارسة المهام المنوطة بها من دون أن يعني ذلك الانسلاخ عن الدولة، باعتبار أنه لا يمكن تصوّر لامركزية موسّعة بلا عصب المال. ويعتبر داعموا اللامركزية أن العبرة تكمن في المضمون، لجهة أنه لا يمكن للامركزية الموسعة أن تستقيم أو تتبلور من دون هامش معيّن للامركزية المالية.

وتتعدّد الآراء والمقاربات حول الخطوة الأولية الضرورية للحدّ من دون استمرار القوى المعطلة في الامعان بعرقلة الدستور وتجميد الاستحقاقات. ووفق قراءة الباحث في مجال الدستور المحامي حسان الرفاعي، فإنه "حينما اندلع انفجار مرفأ بيروت لم يكن للامركزية الادارية علاقة بالواقعة وبقيت المسألة من دون معالجة. ولم تتبخّر أموال اللبنانيين وودائعهم في المصارف بسبب الدستور والنظام السياسي. ويظهر لبنان اليوم وكأنه قاصر بحقّ ذاته ويرجَّح أن تدعى مكوناته السياسية والطائفية إلى حوارات غايتها فرض تسويات عليه بإرادة النواب في انتظار بلورة مسائل المنطقة".

ويقول الرفاعي لـ"النهار" إن "ثمة في الداخل اللبناني راهناً مكوّن لا يؤمن بالديموقراطية ويحظى بسيطرة على القرار الداخلي؛ وفي الموازاة، هناك خلافات داخلية قائمة على نطاق مكوّن آخر. وليس في الامكان العمل على إنقاذ البلاد وسط هكذا أوضاع، فيما تكمن الحاجة إلى دولة مركزية قوية وإلا الانتقال انطلاقاً مما يحصل إلى ما هو أشبه بالتقسيم. وقد تُفرض حلول خارجية على لبنان بما يشبه نماذج تطبيقية معينة".

في سياق متصل، تعتبر مقاربة الخبير القانوني المحامي عادل يمين أن "جوهر النظام يقوم من حيث المناصفة والديموقراطية التشاركية بما يقتضي الحفاظ عليه كأداة أساسية لتأمين العيش المشترك وتوفير مشاركة الجماعات والأفراد في حكم البلاد ومنع التهميش والغلبة والاستئثار المذهبي من أي جهة كانت".

وبحسب النقاط التي يلفت إليها يمين لـ"النهار"، يتطلب منع تحويل النظام التشاركي إلى تشكيك في الأدوار والصلاحيات الدستورية من خلال التطوير باتجاهات ثلاثة: "أوّلاً، وضع مهل من أجل إنجاز الاستحقاقات الدستورية وفي طليعتها انتخاب رئيس للجمهورية وإجراء استشارات ملزمة لاختيار رئيس مكلف للحكومة وتوقيع الوزراء على المراسيم تحت طائلة الانتقال إلى حلول إذا انقضت المهل من دون إنجاز الاستحقاق المطلوب. ثانياً، فكّ التشابك في الصلاحيات بين المواقع الرئاسية. ثالثاً، وجود منهجية قادرة على فكّ المأزق عند الوقوع في مرحلة مقفلة".

ويستنتج أنه "لا بدّ من إقرار اللامركزية الادارية الموسعة مع توفير استقلالية قانونية ومالية للوحدات الادارية حتى تصبح قادرة على القيام بالكثير من الاختصاصات الادارية والانمائية والمالية من دون وصاية السلطة المادية لتحفيز الحركة الاقتصادية".