تدفع الرياح السنبلة الى أن تنحني أحياناً، وتتصدى شجرة سنديان على سفح جبل الى الرياح الهوجاء، وتقف عيناها شاخصتان الى الأفق، تنظر وتنتظر خيوط الرياح القادمة اليها، مطمئنة الى أن جذورها يحتضنها عمق الجبل ولن يلوي صلابة غصنها أي ريح.. هكذا يواجه عادل مالك، ذيول العمر، يلين حيناً ويتصدى كثيراً..
حاضره رغم الألم والمرض، يستمد القوة من تاريخه الطويل، ويستلهم من لبنان الجريح الصمود، كما أن روحية المواجهة منحوتة في الوعي وكذلك تتسلل من اللاوعي على نسق ذبذبات أمل الى الكون الواسع..
عندما نذكر إسم عادل مالك كأنما نصف أرشيف ووثائق من تاريخ لبنان في فكر وعقل رجل.. هو الشخصية التي عُرفت بمناقبيتها وحرفيتها وموضوعيتها في العمل الإعلامي، وقلّما نجد إعلامياً وصحافياً لبنانياً وعربياً إستطاع أن يحاور كبار الشخصيات السياسية والفنية والثقافية على مدى عقود، بالعمق الذي إنتهجه عادل مالك، لا بل إستطاع أن يجمع في مقابلة واحدة أخصام في السياسة، وإدارة الحوار برقي وإحترام يرتقي بشخصه والشاشة والمشاهد على السواء.
وما بين إعتلاء شاشة تلفزيون لبنان الى الأعمال التوثيقية المرئية والمكتوبة، مسيرة مشّبعة بالتجارب والخبرات والمعلومات، حرص فيها عادل مالك على توثيق وإزاحة الستار عن تفاصيل يجهلها من لم يكن في المطبخ السياسي أو الإعلامي أو من لم يعايش أحداث مصيرية مر بها لبنان لعقود.
كذلك، حرص عادل مالك على أن يكون تاريخ لبنان المعاصر مصدراً للعبرة، من خلال قراءة ومقاربة ما كان يحصل والتداعيات اللاحقة التي دفع ثمنها كل لبنان، كي ننتقل الى ضفة مناقضة لكل ما طال البلاد والعباد من صعاب وخسارات. ففي كتابه "حرب السنتين وبعد..." الصادر عن دار سائر المشرق توّجه الى أجيال مختلفة، إلى من عايش تلك المرحلة، والأجيال التي ولدت خلال فترة الحرب، وما بعدها لتكون على بينة ومعرفة بما جرى، وتتخذ العبرة.
عُرف عادل مالك بتجرده وحياديته في مهنة المتاعب، التي تتمتع أولاً بسلطة توصيف الواقع الحقيقي دون تحريف أو إستنسابية، والإضاءة على الخطأ والحث على تصويبه، وإفتتاحية جريدة الجريدة، في 31 كانون الأوّل من العام 1966، بعنوان "دروس من سنة الأزمات" خير درس ومثال على دور الصحافي الفاعل والمؤثر تجاه الفرد والمجتمع والوطن والتي بجزء منها تحاكي حالنا الراهن.
إرث عادل مالك الإعلامي والثقافي والإجتماعي والسياسي الثري بمخزونه ومحتواه، مصدر إلهام لكل صحفي ومرجع لكل مواطن يريد أن يعرف! لعادل مالك كل التحية والدعوات بأن يبقى صلباً كسنديانة سفح الجبل وسنبلة السهل التي تحتوي الرياح!