Advertise here

من سيقود العربة؟

17 أيار 2023 07:35:29

أغلب الظن أنّ لبنان سوف يحتاج إلى الكثير من الوقت لكي يرتقي الأداء السياسي فيه إلى مستوى المسؤوليّة والتحديات الماثلة أمامه والتي تتفاقم على مختلف المستويات السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة. وأغلب الظن أن يبقى هذا الارتقاء في خانة التوقعات غير المؤكدة على ضوء التجارب التي فرضت نفسها خلال السنوات، لا بل العقود الماضية.

الفراغ الذي يستحوذ على المنصب الأرفع في الجمهوريّة، الرئاسة الأولى، يقدّم مثالاً طازجاً على هذه القضيّة. أن يفشل المجتمع السياسي اللبناني في السنوات الأخيرة، عقب انتهاء كل عهد رئاسي في انتخاب الخلف قبل مغادرة السلف القصر هو خير دليل على العقم السياسي الراهن في البلاد.

في العام 1976، انتخب الرئيس الياس سركيس قبل أشهر من انتهاء ولاية الرئيس سليمان فرنجيّة، وعكس ذلك في مكان معيّن القلق من الإضطرابات السياسيّة والأمنيّة القادمة وصعوبة مواجهتها من دون وجود رأس للجمهوريّة. طبعاً، كان انفجار الحرب الأهليّة والدخول العسكري السوري نتيجة الاتفاق الدولي والإقليمي أكبر من أن يتمكن الرئيس سركيس أو سواه من مواجهته، إلا أنّ ذلك يعطي فكرة عن كيفيّة التعامل مع الاستحقاقات الدستوريّة.

تعود فكرة خلق الأعراف الدستوريّة إلى الحقبة التي سبقت اتفاق الدوحة وأحداث أيّار 2008 ومن ثم إلى الإتفاق ذاته حيث تكرّست بدعة الثلث المعطل وصارت بعض الأطراف السياسيّة تمنح نفسها حق النقض معطوفاً على «الميثاقيّة» التي لا تعدو كونها لبوساً بشعاً للمحاصصة الطائفيّة والمذهبيّة، كي لا يُقال القبائليّة.

اليوم، الرئاسة اللبنانيّة في مهب الريح بحيث أدخلت البلاد منذ أشهر في دائرة الانتظار القاتل والمكلف. لا المبادرات المحليّة ترقى إلى مستوى التعامل مع الاستحقاق بجديّة ومسؤوليّة تفضي إلى تحقيق الخرق والنتائج المنتظرة؛ ولا الحراك الخارجي ينطلق من التعاطي مع موازين القوى المحليّة باعتبارها تُحدث فرقاً في المقترحات التي يتم الانطلاق منها، الأمر الذي يضع الاستحقاق الرئاسي في مربع التعطيل. 

طبيعة النظام اللبناني من حيث تعدديته وتنوعه تفرض إقامة الشورى بين مختلف مكوناته وفق ميزان دقيق للقوى الذي غالباً ما أدّى التلاعب فيه إلى وقوع قلاقل واضطرابات وصولاً إلى دورات من العنف. هذا لا يعني تكريس الطبيعة الطائفيّة والقبائليّة للنظام، بل يعني حسن إدارة التنوّع والاستفادة منه للحفاظ على المجتمع بحيويته وثراه الثقافي والفكري.

لذلك، التفاهم المحلي حول الرئيس المقبل، أسوة بالتفاهم على تشكيل الحكومات، من شأنه أن يساعد على إزالة الألغام من الطريق وافساح المجال أمام عمل أكبر وإنتاجيّة أكبر وبالتالي، الانطلاق نحو البدء بالإصلاحات المرتجاة والتي باتت معروفة للقاصي والداني في الكهرباء بداية وسائر القطاعات الحيويّة، وفي مكافحة الفساد ووقف الانهيار المالي والنقدي واعادة الاعتبار للعملة الوطنيّة ووضع خطة لإعادة الودائع للناس بعيداً عن الشعارات الشعبويّة التي لا تقدّم ولا تؤخر ولا تحفظ حقوقهم.

يمتلك لبنان طاقات كبيرة في الموارد البشريّة وفي عدد من القطاعات. إنها غير كافية حتماً ولكنها تُشكّل بداية انطلاق واعدة حالما تتوفر الظروف الملائمة لذلك. لا شك بأنّ الحاجة صارت ملحة أكثر من أي وقت مضى لإعادة النظر بالكثير من السياسات الاقتصاديّة التي تكرّس وظيفة الدولة الاجتماعيّة وتجعل الاقتصاد اللبناني يتكيّف مع المتغيرات الكبيرة على هذا الصعيد خصوصاً أنه فقد الكثير من ميزاته التفاضليّة التي صارت تتقدّم فيها دول أخرى عدة وقد أصبح لبنان متخلفاً عنها بفعل واقعه المرير. 

الخروج من النفق ليس مستحيلاً، ولكن من سيقود العربة؟