وسط الانهيار الذي تشهده كافّة القطاعات مع تفاقم الأزمة الاقتصاديّة وغلاء المعيشة، تزداد مُعاناة القطاع الصحّي الذي يشهد انهياراً شاملاً يطال مختلف مؤسّساته، بالإضافة إلى تراجع صحّة اللبنانيّين الجسديّة والنفسيّة وزيادة حاجتهم إلى العلاجات والأدوية من كلّ الأنواع.
في هذا الوضع، وفي خطوةٍ قد تُشكّل أملاً لكثيرين، تقدّم رئيس لجنة الصحّة النيابيّة النائب بلال عبدالله باقتراح قانونٍ يرمي إلى إنشاء نظام الرّعاية الصحيّة الأوليّة الشّاملة الإلزاميّة. وينصّ الاقتراح على التّغطية التي يؤمّنها النّظام الذي يُنشأ في وزارة الصحّة، بالإضافة إلى المُستفيدين منه. ويشرح الاقتراح في نصّه أنّ جميع اللبنانيين الذين لا يستفيدون من أيّ تغطية صحيّة، يستفيدون من الحزمة الأساسيّة والشّاملة من هذا النّظام.
وعلى مَن يرغب في الاستفادة من أيّ من الحزمتين الأساسيّة والشّاملة تكوين ملفٍّ صحيّ في أحد مراكز الرعاية الصحية الأوليّة أو المستشفيات الحكوميّة أو الخاصّة المُعتمدة لهذا الغرض من وزارة الصحّة، ويستحصل على البطاقة الصحيّة.
النائب عبدالله خصّ موقع "الأفضل نيوز" بحديثٍ شامل عن اقتراح القانون الذي قدّمه، شارحاً أنّه "يعتمد على دراساتٍ أُجريت سابقاً من قبل من سبقنا بهذا العمل، أي عاطف مجدلاني، محمد خليفة، غسان حاصباني، عاصم عراجي وغيرهم أيضاً، واعتمدنا النّظرة الشّاملة لكيفيّة التّعاطي مع هذا الملفّ. ولكن هذه المرّة بالذّات أخذنا بالاعتبار الواقع الاقتصادي الاجتماعي المعيشي الضّاغط على النّاس وعجز الخزينة الكامل، وتوقّعاتنا بأنّ التعافي الاقتصادي، إذا تمّ، لن يكون بهذه السّرعة والسّهولة".
ويُشير عبدالله إلى أنّ "المشكلة الأساسيّة في نظام التّغطية الصحيّة الشّاملة تكمن في تأمين رزمة أساسيّة للوقاية والعناية الصحيّة والدوائيّة للمرضى. وهذا النّظام يُغطّي بالمبدأ وكخطوة أولى الذين لا يملكون أيّ تغطيةٍ صحيّةٍ أخرى، مع العلم أنّ الصّناديق الضّامنة تُعاني من العجز والمشاكل، ولكن هنا مطلوب حلول أخرى خارج الحلّ المطروح في هذا النّظام".
من الخطوات الأساسيّة المطلوبة للسير بنظام الرّعاية الصحيّة الأوليّة الشّاملة الإلزاميّة، إدخال المكننة الكاملة ووضع كلّ الداتا والمعلومات عن الشّخص المُنتسب لهذا النّظام لتسهيل التّعاطي مع وضعه الصحّي، وفق عبدالله، الذي يُضيف أنّ هذه الخطوة تُعتبر مُقدّمة لتكون لدينا بطاقة صحيّة بالمعنى الحضاري للكلمة، ممّا يُسهّل حياة المريض وعمل المؤسسات الصحيّة أيضاً من مستشفيات ومختبرات وصيدليات.
أمّا العقبة المهمّة جدًّا لتطبيق هذا النّظام، فهي التّمويل. ويقول عبدالله: "انطلقنا من مبدأ أنّ الدولة ستكون عاجزةً عن تأمين التّمويل المطلوب لهذه التّغطية". وإذ يلفت إلى "أنّنا سنُبقي على مُساهمة الدّولة"، يُضيف: "إلا أنّنا بحثنا أيضاً عن مصادر تمويل أخرى عن طريق ضرائب نوعيّة على الأثرياء وأصحاب الثروات وشركات التأمين، واستعادة ما يُسمّى بالتأمين الإلزامي ووضعه في إطار هذا النّظام، إضافةً إلى رزمةٍ أخرى من الضّرائب على التبغ والمشروبات الكحوليّة...".
لهذا النّظام الصحّي الشّامل إيجابيّات تنعكس على صحّة المواطن، ويرى عبدالله أنّ "هذا النّظام الصحّي حضاريّ ويُحاكي المعايير الدوليّة إذا حَسُنت إدارته، وثبّتنا في القانون أنّه سيُدار من قبل شركةٍ خاصة مُتخصّصة بإدارة هكذا ملفّات، هي التي ستُدير الملفّ بمهنيّة وحرفيّة ضمن دفتر شروط ووفقاً لقانون الشّراء العام المعمول به".
كما يأمل النائب عبدالله أن يكون اقتراح القانون الذي تقدّم به موضع نقاشٍ وإقرار من قبل الكتل السياسيّة كافة، مؤكّداً أنّه "قابل للتعديلات والإضافات، وإذا تمّ بالموازاة مُعالجة مشكلة العجز المالي في الصندوق الوطني للضّمان الإجتماعي، عندها نكون قد وصلنا إلى نسبة 80 في المئة من تغطية الشّعب اللبناني، من المواطنين الذين كانوا يُعالَجون على نفقة وزارة الصحّة والضّمان، وهذه خطوة كبيرة إلى الأمام".
ويُتابع: "لذلك أعتقد أنّ هذا الملفّ يجب أن يكون أولويّة وأن يُعطى حقّه، لأنّ الأزمات التي توجع أكثر وتؤلم اللبنانيين فعلاً هي الأزمات الصحيّة والاستشفائيّة والدوائيّة".
ويُشدّد عبدالله، على أنّ "هذا النّظام الصحّي غير خاضعٍ للتدخّل السياسي حكماً، إذ تُديره وزارة الصحّة مع المعنيين فيها ولجنة استشاريّة من أصحاب الاختصاص في النقابات وغير النقابات ويُدار من قبل شركة مُتخصّصة غير خاضعة لأيّ تدخّلٍ سياسيّ"، وهذا من شأنه أن يُكسب اقتراح القانون ثقة أكبر نظراً لأنّه يُشكّل التفاتة مُباشرة نحو المواطن في أكثر الأمور التي تؤرقه اليوم وهي التّغطية الصحيّة والإستشفائيّة.
لا بدّ من التّشديد أيضاً على أهميّة اقتراح القانون لا سيّما بعد سنوات على جائحة كورونا، التي أظهرت أنّه بات ضروريًّا أكثر من أيّ وقتٍ مضى أن تكون هناك تغطية صحيّة شاملة لجميع اللبنانيّين. فلبنان تأثّر كثيراً بالجائحة لناحية الأطقم الطبيّة والاستشفائيّة ولناحية صحّة الناس أيضاً وما خلّفه الفيروس من أعدادٍ هائلة من الإصابات الحرجة والوفيات.
التّغطية الصحيّة الشّاملة من أبسط الحقوق التي يجب أن تؤمَّن لكلّ مواطن، وهي عبارةٌ عن حقٍّ ضائع في غياب التّمويل، وسيبقى كذلك إذا استمرّ الوضع على ما هو عليه من الانهيار من دون أيّ نيّةٍ جديّة للإصلاح والنّهوض.
فهل نصل إلى نظام الرعاية الصحيّة الأوليّة الشّاملة الإلزاميّة كباقي الدّول المُتحضّرة؟ أم يلقى اقتراح النائب عبدالله مصير قوانين أخرى ويوضع في الأدراج؟