مكافحة الفساد: متى وكيف تبدأ؟

10 أيار 2023 07:43:53

أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أنّ بلاده استرجعت أكثر من 22 مليار دولار من الأموال والممتلكات المنهوبة داخل البلاد وخارجها، مؤكداً أنّ عمليّة مكافحة الفساد هي عمل يومي مستمر وتشمل القضايا القديمة والجديدة على حد سواء. وعكس بكلامه هذا أنها لن تتوقف في وقت قريب وقد شملت التوقيفات القضائيّة عدداً من المسؤولين من ولاية الرئيس السابق عبد العزيز بو تفليقة.

كما فتح العراق تحقيقات واسعة في ما وصف بأنه سرقة العصر وقد تجاوزت المليارات من الدولارات بسبب الفساد المستشري في صفوف المسؤولين الحكوميين والذي يتداخل بطبيعة الحال مع المصاعب التي واجهها العراق على صعيد الحكم والإدارة في حقبة ما بعد الغزو الأميركي سنة 2003. وعلى أهميّة هذه الخطوة، تبقى العبرة الأساسيّة في استكمال خطوات مكافحة الفساد.

في لبنان، لطالما تعثّرت خطوات مكافحة الفساد ولذلك أسباب متعددة بعضها بنيوي بفعل التركيبة السياسيّة - القضائيّة المعقّدة، والبعض الآخر مؤسساتي ويتصل بالارتباك الذي يطغى على تطبيق مبدأ فصل السلطات بحيث تجنح عناصر القوّة نحو السلطة التنفيذيّة على حساب السلطة القضائيّة التي تبقى قاصرة عن أن تتمتّع بالاستقلاليّة التامة (باستثناء بعض القضاة الذين يمارسون الاستقلاليّة من دون اكتراث أو اعتبار لأية حسابات أخرى).

ولعلّ الانحدار غير المسبوق الذي شهده السلك القضائي (بانتظار أن يصبح سلطة حقيقيّة) حصل في عهد الرئيس السابق ميشال عون بحيث كان التدخل فاضحاً والتعطيل أكثر فضائحيّة، فانقضى العهد ولم يوقع رئيس الجمهوريّة مرسوم التشكيلات القضائيّة فقط لأنه كان يريد تعيين قاض تابع له هنا وآخر هناك!

إذا كان رئيس الدولة الذي أقسم على حماية الدستور وتطبيقه يخالف مبدأ أساسيّاً في الدستور ألا وهو فصل السلطات، فكيف يُتوقع من الآخرين احترام الدستور. طبعاً، الأمثلة السياسيّة عن الإخلال بالدستور والتنكيل به واستيلاد الأعراف المخالفة لجوهره وعمقه في ذاك العهد تكاد لا تعد ولا تحصى.

لقد أنشئت الهيئة الوطنيّة لمكافحة الفساد ولعل بداية عملها كانت في تلقي التصاريح عن الثروات والأموال من النواب والمسؤولين، وهي نقطة انطلاق جيدة وتأتي تطبيقاً لما تنص عليه القوانين، ولا بد أن تُستكمل من خلال تفعيل هذه الهيئة وتزويدها بالاحتياجات المطلوبة بشريّاً وماليّاً واداريّاً ولوجستيّاً لتتمكن من القيام بمهامها.

ثمّة العديد من المؤسسات العامة التي قلّما تقوم بعمل يُذكر أو يترك أثراً في القطاع الذي يتبع لها أو تُناط به مسؤولية إدارته، وهناك العديد من الإدارات العامة التي تكبّد الخزينة تكاليف ماليّة باهظة سواء في الإيجارات أو في المصاريف التشغيليّة الأخرى، ومع ذلك تبقى تلك المؤسسات على حالها دون أن يتغيّر فيها شيء.

المطلوب تقديم الدعم لهذه الهيئة لتباشر عملها من دون إبطاء لعلّها تساهم في بث مناخات جديدة من الشفافيّة المفقودة والنزاهة الغائبة في البلاد وتعوّض غياب القضاء عن القيام بمهامه وتُذكّر أيضاً الهيئات الرقابيّة بضرورة تنشيط دورها والابتعاد عن التأثيرات السياسيّة وغير السياسيّة.

لا ينقص لبنان الموارد الماليّة، ولا تنقصه الموارد البشريّة بطبيعة الحال ولو أنّه فقد الكثير من الأدمغة خلال الأعوام الثلاثة الماضية التي شهدت موجات غير مسبوقة من الهجرة على ضوء الانهيار الكبير للعملة الوطنيّة ولمعظم المرافق الاقتصاديّة. صحيحٌ أنّ هناك حاجة ملحة لإتمام الاتفاق مع صندوق النقد الدولي كمدخل لاستعادة المجتمع الدولي ثقته المفقودة بلبنان، ولكن الصحيح أيضاً أن إرساء قواعد جديدة لإدارة الشأن العام في لبنان من شأنه أن يحدث تغييرات ملحوظة على مختلف المستويات.

ولكن، هل من سيدفع في هذا الاتجاه؟ لا أحد!