Advertise here

الجامعة اللبنانية: مشروع وطن

12 حزيران 2019 08:39:00 - آخر تحديث: 13 حزيران 2019 15:04:03

تأخذ مطالب أساتذة الجامعة اللبنانية المالية حيزاً مهماً في إطار مناقشة الموازنة العامة. ولا شك في أن ثمة حقوقاً يجب أن تعطى لهم وواجبات تقع عليهم إذا كنا نتطلع فعلاً الى جامعة وطنية تصبح مع الوقت أم الجامعات في لبنان. وللوصول الى ذلك ينبغي أن تكون دراسة شاملة موضوعية واقعية علمية شجاعة لكل واقع الجامعة اليوم لا أن ينحصر النقاش حولها في موضوع الحقوق المذكورة على أهميتها. 

الجامعة اللبنانية حلم عمر انتظره اللبنانيون سنوات طويلة. أنا واحد من جيل نشأ مع بداية تكّون وعيه السياسي على هذا الحلم. على المظاهرات الطلابية والشعبية التي كانت تغطي شوارع العاصمة تحت عنوان "ديموقراطية التعليم" وجامعة لبنانية وطنية حضارية ، يوم كان التعليم العالي حكراً على فئة معينة من الناس في جامعات خاصة لا شك أنها تتميز بمستوى عال . كان الاتحاد الوطني لطلاب الجامعة، ذا تأثير مهم جداً في تلك التحركات وفي الحياة السياسية والنضال المطلبي عموماً في لبنان. كانت له كلمة في مجلس الجامعة. في النقاش حول دورها ومستقبلها ومناهجها وموقعها التعليمي والتربوي . ولا شك أنه كان فيها رجال كبار، من رؤسائها الى عدد من عمدائها وأساتذتها. كانت هيبتهم العلمية والثقة بهم كبيرة جداً. وعندما بنى الراحل الوزير العميد د. حسن مشرفية كلية العلوم ورعاها وأشرف عليها كأنها "ولد من أولاده" وكانت شهادتها ذات قيمة علمية كبيرة، واسمها ومستواها متقدمين في مراتب الكليات المثيلة المهمة في الخارج ولا أقول في المنطقة حيث لم يكن في مستواها كلية من كليات الجامعات الوطنية المحلية هنا او هناك. كانت صرحاً علمياً حضارياً متقدماً في هذا الشرق. أنا واحد من الذين درسوا فيها ويشهدون على ذلك . 

وعندما نجحنا كممثلين للقوى الديموقراطية - اليسار - في آخر انتخابات فريدة عام 1974 في فرع الكلية، وكانت المرة الأولى في تاريخها التي ينتصر فيها اليسار حاصداً كل مواقع مجلس الفرع، كان د. حسن مشرفية عميداً. أعلنا الإضراب مطالبين بمطالب معينة. كانت كلمات منه كافية في مكتبه لنعود الى مقاعد الدراسة باحترام وتهيّب لما سمعنا منه. وما سمعناه لم يتجاوز جملاً محددة. لماذا؟؟ لأننا كنا نشعر أننا أمام من هو أحرص منا على الكلية ومستواها وموقعها ودورها وهو من بناها وصاحب الهيبة العلمية الكبيرة وكان الى جانبه عدد كبير من العلماء والخبراء واللامعين في الاختصاصات التي كانوا يدرّسونها. والى جانب كلية العلوم كنت كليات يرأسها عمداء كبار. درّس فيها كبار وخرّجت كباراً وكنا نطالب بتطويرها الى الأفضل. 

اليوم، وبعد أن أصبحنا في السلطة " كقوى وطنية " بعد تضحيات كبيرة وباتت الأمانة كاملة بين أيدينا لم نقم ولا نقوم بالواجب المطلوب منا. كانت الفرصة الذهبية بالنسبة إلينا. فرصة تحقيق حلمنا وبناء جامعة نعتّز بهـــا ونطمئن الى مستقبل أبنائنا فيها. جامعة تخرّج علماء وخبراء وباحثين وأساتذة وأطباء ومهندسين وصيادلة وإداريين وتقنيين وتكون عنوان فخر للبنان في المجال العلمي والبحثي والشراكة مع كبريات الجامعات في العالم. أهدرنا الكثير من هذه الفرصة. ولكن لا يزال أمامنا متسع من الوقت لوقف حالة التراجع والتعاطي مع الجامعة وكأنها باب توظيف أو فك مشكلة هذا الطرف السياسي أو ذاك في رفع الأعباء عن كاهله من خلال تأمين فرص عمل لطالب فرصة في معزل عن الحاجة إليه أو القدرة العلمية التي يتمتع بها. مع الإصرار الكامل بأن في الجامعة كليات نعتز بشهاداتها وخريجيها وإنتاجها . وأساتذة في حقول مختلفة نعتّز بهم. لكن الحقيقة والأمانة تقضيان بالاعتراف بأن واقع الجامعة عموماً ليس مطمئناً وهذا ما يجب ان نتصدى له كل منا في موقع مسؤوليته الحزبية أو السياسية أو الوطنية ولكل لبنان ولبناني مصلحة في ذلك . 

فلتكن الجامعة اللبنانية مشروع الوطن الذي نحلم به. ويستحقه أبناؤنا. مشروع التربية والعلم والإنتاج والعمل. انطلاقاً من رؤيا واضحة، ودور محدّد، على مستوى رئاستها ومجلسها وكل المعنيين بها لتكون جامعة فاعلة متفاعلة مع الجامعات العالمية بتبادل النخب العلمية، وباب نقاش مفتوحاً حول مختلف العناوين العلمية والابتكارات والاختراعات في مختبراتها المختلفة ونحن قادرون على ذلك ولدينا الطاقات والإمكانات البشرية إذا أحسنّا إعداد المشروع ووضعنا خطة لتنفيذه . 

إنها دعوة الى ورشة إصلاحية رؤيوية في الجامعة عنوانها الأول، ومعيارها الأول مستواها ودورها ومصلحتها ، ويكون للطلاب دور الشريك فيها وللبحث صلة حول هذه النقطة المركزية. 

تحية الى الجامعة اللبنانية. الى الشهداء الذين سقطوا من أجلها. والمناضلين الذين صدحت أصواتهم في الساحات ليكتمل مشروعها، والى من علمنا فيها وساهم ويساهم في رص بنيانها والمحافظة عليها.