Advertise here

إيران إذ تطبّق التقارب مع السعودية على طريقتها

08 أيار 2023 08:00:00

كتب عبدالوهاب بدرخان في "لبنان الكبير":

ليس كل ما تقوله إيران أو تفعله في هذه المرحلة يعكس بالضرورة "روح" التفاهم مع السعودية أو مضمونه. فهي تحاول بث أجواء "إيجابية" للإيحاء بأنها في طور تغيير نهجها السياسي، انسجاماً مع "اتفاق بكين"، إلا أنها تعمل في الواقع على تأكيد سياساتها المرفوضة والمدانة. فمن احتفال رئيسها ابراهيم رئيسي بـ"الانتصار" في سوريا، الى زيارة وزير خارجيتها حسين أمير عبداللهيان لبيروت والجنوب، الى الأداء السلبي لحوثييها في الاتصالات الجارية مع السعودية، فضلاً عن ممارسات ميليشياتها في العراق... هناك خط واحد بتوجّهين متوازيين: قطف ثمار النفوذ حيثما ظهرت، وإبقاء السياسات على حالها حيثما لم تنضج نتائجها بعد. جاء رئيسي الى دمشق ليقول نحن باقون هنا وأخذنا من نظام بشار الأسد المكاسب التي أردناها. وجاء عبداللهيان الى لبنان ليقول إن أي رئيس يُنتخب سيكون، بتسوية أو من دون تسوية، رجل "حزب إيران/ حزب الله". وبين دمشق وبيروت عبّر رئيس إيران ووزيره عن دعم لـ "وحدة ساحات المقاومة" كهدف استراتيجي رسمته طهران بالتواطؤ مع نظام دمشق ورغماً عن إرادة/ لاإرادة لبنان.

كان ولا يزال من المبكر جداً الأخذ بالأقوال الفارسية أو الوثوق بها قبل أن تظهر الأفعال. من الطبيعي أن تتسارع عملية استئناف العلاقات الديبلوماسية والقنصلية بين الرياض وطهران، لأنها الخطوة العملية التي حدّدها نص اتفاق تطبيع العلاقات بين الدولتين، أما إشارة الرجل الثاني في "حزب إيران" اللبناني نعيم قاسم الى أن "العلاقات بين المصرفين المركزيين في البلدين بدأت في اليوم التالي لتوقيع اتفاق المصالحة" فهو يعلم قبل غيره أنه يستخدمها للدعاية ويحمّلها أكثر مما تحتمل، وكأن السعودية بدأت لتوّها إعادة إيران الى النظام المالي والمصرفي الدولي مدشّنة تمرّداً على العقوبات الأميركية. وأما قوله إن "خطوات الحلّ في اليمن بارزة في ايجابيّتها" فيلاقي "المناخ الإيجابي" الذي يحاول المبعوثان الأممي والأميركي بثّه وتطويره، لكن كلام نعيم قاسم يتعمّد التسرّع والتضليل، أولاً لأن اليمن اختبار رئيسي لن تتساهل السعودية في التلاعب به، وثانياً لأن "حزب إيران" اليمني لا يزال بعيداً جداً عن الاعتراف بالحكومة الشرعية لليمن، وبالتالي أكثر بعداً عن المقوّمات المطلوبة لحلّ سياسي للأزمة اليمنية.

تحاول طهران أيضاً تفسير التقارب مع السعودية، بل حتى تطبيقه/ تفعيله على طريقتها، بحيث يُفهم أنه يلبّي تطلعاتها ويزكّي توسّعها ونفوذها في الإقليم، مستندة في ذلك الى أن "التطبيع" الجاري بين الرياض ودمشق لا يشترط تطبيق القرار 2254 بما يتضمّنه من تغيير في طبيعة النظام السوري، لكن متجاهلة شرطَي توفير المساعدات الإنسانية وإعادة اللاجئين والنازحين في هذا "التطبيع"، بالإضافة الى شرط أساسي يتعلّق بوقف/ منع تهريب "الكبتاغون" وغيره من المخدرات وهو يعني بالضرورة وقف/ منع فتاوى إيران واتباعها بجواز هذا التهريب لمواجهة العقوبات الأميركية والغربية. هنا يبرز ثانيةً نهج اختبار إيران وسياساتها في الساحة السورية، إذ أن السوريين الموالين والمعارضين مدركون عموماً إصرار النظام على التموّل جزئياً من نهب المساعدات، بل مدركون كذلك تلازم الرفضَين الأسدي والإيراني لعودة اللاجئين كونها تفسد مشروع التغيير الديموغرافي الذي يواصلان تنفيذه على قاعدة تثبيت التخلص من السوريين السُنّة الذين اقتلعوا من مواطنهم ودمّرت بيوتهم أو صودرت أو يجري التصرّف بها.

لا شك في أن لبنان هو ساحة الاختبار الثالث المهم لـ "المصالحة" الاقليمية، وهو يشي عملياً باستحالة التقارب أو التوافق، حتى لو لم يكن بديلها المواجهة الصراعية، بل حتى لو صحّت التسريبات عن إمكان حصول تواصل أو حوار بين الرياض و"حزب إيران/ حزب الله" بترتيب من المدعو محمد كوثراني في بغداد. فالسعودية لا يمكن أن تتعامل بأي حال مع هذا "الحزب"/ الميليشيا بالصفة التي يسبغها على نفسه، باعتباره مسيطراً على الدولة اللبنانية وبالتالي بديلاً منها، يتساوى في ذلك أن يتمكّن (بمساعدة فرنسية؟) أو لا يتمكّن من تجديد الحكم العوني بالتخيير بين "الفراغ" أو استنخاب مرشّحه للرئاسة، كما يتوعّد نعيم قاسم، الذي قال أيضاً إن القوى الخارجية لا تستطيع فرض رئيس للجمهورية في لبنان. ومع أنه و"حزبه" يمثلان جهة خارجية هي إيران أكثر مما يمثّلان مكوّناً طائفياً داخلياً، إلا أنهما يحاولان فرض رئيس رغم إرادة المكوّن الطائفي الذي ينتمي إليه، بل إرادة غالبية الشعب اللبناني. في أسوأ الأحوال، يمكن أن يصل مرشح "محور الممانعة" الى الرئاسة، لكن القوى الخارجية ومنها السعودية لن تخضع في تعاملها معه لشروط "المحور".

لعل مسارعة إيران الى استملاك أراضٍ واسعة وإلى الاستحواذ على حصص كبيرة في قطاعات عدة في سوريا، تشير الى رغبة في استباق السعودية والامارات اللتين ستجدان أن روسيا وإيران وضعتا أيديهما على كل ما هو مفيد ومنتج في سوريا. وبما أن روسيا غارقة في حرب أوكرانيا التي تستنزفها اقتصادياً ومالياً، فإن إيران تعتقد أن تموقعها الاقتصادي الصلب في سوريا سيرشحها لأحد دورَين: إما أن تفرض نفسها شريكة لا بدّ منها في عملية إعادة الاعمار السورية التي ستتمّ بمساهمة أساسية من دول الخليج، أو أن تكون على الأقل طرفاً مستفيداً من الاستثمارات الخليجية المفترضة. قد يبدو هذا الحساب منطقياً، ولكي يصحّ بنظر طهران ينبغي أن يستمر الوضع السوري على حاله مع نظام يبيع سوريا من أجل بقائه ومع شعب مشرّد يُستخدم في الابتزازات الدولية والإقليمية التي يديرها النظام وروسيا وإيران. فهل هذا ما يريده العرب من تطبيعهم مع الأسد ونظامه؟