Advertise here

أوروبا الموحّدة على المحك: تحدّيات من كلّ حدب وصوب!

06 أيار 2023 07:21:47

ثمّة من يعتبر أن الشيخوخة قد أصابت أوروبا وأن قدرة القارة العجوز على الصمود بصيغتها الموحدة تتآكل مع مرور الزمن، لا سيّما على ضوء التحديات المتنامية من كل حدب وصوب والتي فاقمتها الحرب الروسيّة على أوكرانيا، وهي الحرب الأولى التي تجري على التراب الأوروبي منذ انتهاء حرب البلقان في التسعينات من القرن الماضي.

وإذا كان الرد الأوروبي موحداً نسبيّاً على موسكو من خلال فرض العقوبات ووقف تصدير الأسلحة وتقديم الدعم المالي والتعامل مع قضيّة اللاجئين، إلّا أن ذلك لم يلغ النقاشات السياسيّة والقانونيّة الدائرة في الأوساط الأوروبّية حيال الآليّات المثلى لإتخاذ القرارات التي لا تزال تعتمد القاعدة القديمة المرتكزة إلى الإجماع.

وتفيد التقارير أن الاستعمال المتزايد لحق النقض قد عطّل عدداً لا يستهان به من القرارات الهامة بفعل المقاربات المختلفة للدول الأوروبّية وأن ثمّة إتجاهات جديدة تتحدث عن ضرورة إعتماد قاعدة التصويت بالأكثريّة للحيلولة دون تعثر مسيرة الاتحاد.

ويتحدث أحد تلك التقارير عن أن الفيتو إستخدم لنحو ثلاثين مرة بين عامي 2016 و2022، ما عطل الكثير من القرارات. ولكن يبقى الخوف مسيطراً على الدول الأقل نفوذاً التي تعتبر أن الإجماع يعطيها حق التصويت على قدم المساواة مع الدول القوية.

وتذهب بعض التوقعات للحديث عن أن العام الجاري (2023) يجب أن يكون فاصلاً لناحية اعتماد طريقة جديدة للتصويت أم تأخيرها مجدداً على ضوء التحديات المتنامية التي تشهدها القارة، وبعضها قد تحوّل إلى أزمات عالميّة لا تقتصر تداعياتها على الاتحاد، كالحرب الدائرة على الأراضي الأوكرانيّة وقضيّة التغيّر المناخي وأزمات النزوح وإرتفاع أسعار الغذاء والنفط والتضخم الهائل والانكماش الاقتصادي.

وعلى عكس الكلام المتزايد في العديد من الأوساط الغربيّة الذي يشير إلى تراجع الدور الأوروبي عموماً على الساحة الدوليّة وعدم قدرة أوروبا على مغادرة مربع النفوذ والتأثير الأميركي، فإنّ بعض التحليلات تذهب إلى أن أوروبا تجاوزت بنجاح تداعيات الخروج البريطاني من صفوفها (بريكست) وأنها أثبتت قدرتها على الصمود إزاء تحوّل كبير وعميق بهذا الشكل.

كما تعتبر تلك الجهات أن الأزمات المتلاحقة التي عاشتها أوروبا والعالم قاطبة (مثل جائحة «كورونا» وما خلّفته من ضرر اقتصادي كبير)، جعلت أوروبا أكثر تماسكاً وعكست قدراتها التي كانت موضع شكوك من قبل العديد من الجهات الدوليّة في أن تتعامل بفاعليّة وجدّية ومسؤوليّة مع الحالات الطارئة وغير المتوقعة، على عكس ما قد يحصل في الأيام العادية التي قد تطفو فيها الخلافات السياسيّة والاقتصاديّة نتيجة الحسابات والمصالح المتضاربة.

هل هناك حاجة لتجديد المشروع الأوروبي؟ وهل هناك حاجة لبناء مقاربات جديدة؟ هذا أمر محتوم. لا يمكن لأوروبا أن تبقى أسيرة الماضي إذا كانت تريد أن تحجز لنفسها موقعاً في المعادلات الدوليّة الآخذة في التبدّل على ضوء الصعود الصيني الصاروخي ومزاحمة بكين لكلّ من واشنطن وموسكو على النفوذ الدولي.

في الوقت الذي سجلت فيه الصين خطوة متقدّمة في العلاقات الدوليّة عبر التفاهم السعودي - الإيراني، أخفقت واشنطن في تحقيق أي خرق يُذكر في الشرق الأوسط وعجزت عن إعادة تقديم نفسها كوسيط نزيه وعادل في الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، الذي يشهد إحتقانات كبيرة قد تنفجر في أي لحظة وتذهب بالمنطقة نحو تصعيد كبير.

وفي الوقت الذي تتنافس فيه ألمانيا وفرنسا على ولوج القرن الأفريقي وبسط النفوذ السياسي والعسكري، تتضرّر أوروبا من هذا الصراع وتفقد قدرتها على أن تتقدّم نحو المسرح الدولي برؤية موحدة وجامعة، ويستفيد من ذلك الخصوم والحلفاء على حدّ سواء، وفي طليعتهم بكين وموسكو وواشنطن.