Advertise here

رجاءً... إنزلوا عن الشجرة!

03 أيار 2023 07:06:05

بات واضحاً أنّ فقدان المبادرة المحليّة في الملف الرئاسي اللبناني ينذر بعواقب وخيمة ويؤسس لحقبة مستدامة من الفراغ الرئاسي الذي ينعكس شللاً على مختلف المستويات، كما أنّه يفاقم التدهور الحاصل في القطاعات الاقتصاديّة والاجتماعيّة برمتها ومن دون أي استثناء يُذكر سوى قطاع المطاعم ربما الذي يشهد نهضة غير مسبوقة وهو أمر جيد رغم أنّه ليس مفهوماً بالكامل.

وبات واضحاً أيضاً أنّ أحداً من القوى السياسيّة اللبنانيّة (وفق التصنيف الكلاسيكي على ضفتي 8 و14 آذار) لا يريد أن يغادر المساحة التي أسرَ نفسه فيها أو أن يبحث في سبل «النزول عن الشجرة» مع الآخرين وذلك يعكس تعنتاً وقلة مسؤوليّة في التعاطي بالشأن الوطني الذي وصل إلى الحضيض من دون أن تكترث بعض القوى السياسيّة لما آلت إليها الأمور.

المعادلات التي رُسمت في الآونة الأخيرة التي ترمي إلى وضع البلاد أمام خيار مرشح أوحد أو الفراغ الطويل هي معادلات خاطئة لأنّها تستهدف أن تفرض بالقوة شخصيّة معيّنة دون سواها إلى المنصب الأرفع في الجمهوريّة حتى ولو أنها ترى أنّها لا تستوفي شروط «النصاب الوطني أو الميثاقي»، إذا صحّ التعبير.

لطالما كانت لعبة الميثاقيّة خطيرة من حيث تأسيسها أعرافاً من شأنها أن تأتي على جوهر المبدأ الدستوري والديمقراطي والمؤسساتي بحيث أنها تستدعي الحسابات المصلحيّة لهذا الطرف أو ذاك من دون أن تراعي المصلحة الوطنيّة العليا، وها هي اليوم تُستخدم مجدداً لتطويع الظروف السياسيّة بما يتناسب مع جهات معيّنة بذاتها.

والأطراف المناوئة لهذا الطرح لا تقدّم رؤية مغايرة، بل تتمسك بشعارات رنانة لن تقدّم ولا تؤخر بواقع الحال وستبقي القضيّة الرئاسيّة رهينة تلاطم المصالح والمقاربات المتناقضة.

وبين هؤلاء وأولئك، لم تنضج الاتصالات الخارجيّة التي يبقى التعويل المحلي عليها مبالغاً فيه خصوصاً أنّ الأطراف الفاعلة لم تبدّل من قناعاتها وأغلب الظن أنها لن تفعل ذلك في المدى المنظور للكثير من الاعتبارات والحسابات، من جهة؛ ولعدم إيلائها «الملف اللبناني» الأهميّة الكبرى في سلم أولوياتها الإقليميّة، من جهة ثانية.

لقد ثبت أنّ التعويل على ترجمة سريعة وفوريّة لمفاعيل التفاهم السعودي- الإيراني على لبنان دونه الكثير من الخطوات والوقت قبل تبلوره وليس هناك ما يضمن أساساً أن يصل إلى تحقيق نتائج ملموسة تسير في الاتجاه الصحيح. كما أنّ التعويل على الاتصالات الفرنسيّة - السعوديّة لا يبدو أنّها سوف تثمر إتفاقاً سريعاً لا سيّما أنّ حماسة باريس للترويج لمرشح لا يحظى بدعم مجموعة كبيرة من الكتل البرلمانيّة (لا سيّما المسيحيّة منها) وصل تقريباً إلى حائط مسدود.

إزاء هذه التعقيدات الخارجيّة المتنامية، لا مناص من إعادة الزخم للمبادرة المحليّة التي تبدأ بمقاربات أكثر واقعيّة من قبل القوى المختلفة وبالبحث الجدي عن شخصيّة تحظى بالاحترام والتأييد والثقة في الداخل والخارج وتملك القدرة على التواصل مع جميع القوى السياسيّة بعيداً عن الكيديّة والنكايات التي طبعت العهد البائد الذي أوصل البلاد إلى الحضيض.

صحيحٌ أنّ الاستحقاق الرئاسي اللبناني لم يكن يوماً استحقاقاً محليّاً صرفاً بفعل الاختراقات العميقة التي لطالما طبعت المجتمع السياسي اللبناني منذ قيام لبنان الكبير سنة 1920، ولكن الصحيح أيضاً أنّ إمساك اللبنانيين بزمام المبادرة من شأنه أن يُفضي إلى تسوية معقولة من دون أن تعرقلها عندئذ الأطراف الخارجيّة الفاعلة في القضيّة اللبنانيّة.

إلى كل الأطراف السياسيّة الفاعلة والقابضة على زمام الأمور، رجاء إنزلوا عن الشجرة رأفة بالبلاد والعباد!