Advertise here

ملفّ النّازحين: بحثاً عن حلولٍ دون المزيد من التّعقيد!

02 أيار 2023 09:36:07

لا يمكن إنكار حجم الضّغوطات التي يُسبِّبها الوجود الكثيف للنّازحين السّوريّين في لبنان الذي يمر بأقسى أزمة إقتصاديّة في تاريخه منذ الاستقلال والتي نالت توصيفاً جديداً من البنك الدولي بأنّ “التّضخّم هو الأعلى عالميّاً”، ولا يمكن إشاحة النظر عن مبدأ العودة للنّازحين كحقٍّ لهم وواجبٍ على لبنان أو القول بأنّ عودتهم مستحيلة أو الدعوة إلى بقائهم للأبد.

ولكن لا يمكن في الوقت ذاته أن ينحو المجتمع برمّته نحو الأدبيّات العنصريّة التي تقوم على التعميم الأعمى وتحمّل تلك الشريحة كلّ الذنوب السياسيّة والاقتصاديّة، وكلّ موبقات الفساد اللبناني بأشكاله المتعدّدة التي سبّبت ما سبّبته من انهيار كبير لن يكون من السهل الخروج منه.

بطبيعة الحال، التأثير الاقتصادي والاجتماعي على لبنان ملحوظ وكبير، إنما علاجه لا يتمّ من خلال سياسات التحريض والتأليب المنهجي على تلك الشريحة، ليس فقط انطلاقاً من الاعتبارات الإنسانيّة والأخلاقيّة (على أهميتها)؛ ولكن أيضاً حفاظاً على الاستقرار الداخلي والسلم المجتمعي الذي سوف يهتّز عندما تتعالى الأصوات المناهضة لمجرّد وجودهم حتّى ولو أنّهم لا يتحمّلون بالضرورة المسؤوليّة عن الواقع الراهن.

لطالما تميّز لبنان بأنه يُشكّل ملجأ للمضطهدين (وهو ما كان يزعج ويستفز الحكومات السوريّة المتعاقبة بالمناسبة)، ولطالما فتح لبنان أبوابه أمام من كانوا عرضة للخطر من أنظمة بلدانهم الديكتاتوريّة والقمعيّة. لا يختلف الأمر الآن ولو أنّ الأعداد تضاعفت بشكل كبير، إلا أنّ المبدأ السياسي والأخلاقي هو ذاته.

العودة ممكنة ومتاحة ولكن عند توفّر الحد الأدنى من الضمانات الدوليّة أو العربيّة التي تقدّم الطمأنينة لتلك الأسر التي غادرت وطنها مرغمة وهرباً من الموت، وهذه الضّمانات لن تتبلور بصورتها النهائيّة والمنطقيّة والمعقولة ما لم ينضج الحلّ السّياسي الذي يعيد الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي إلى سوريا.

من المتوقّع أن يستغرق هذا الأمر بعض الوقت، لا سيّما أنّ النظام الحالي الذي توقّعت بعض الجهات سقوطاً سريعاً ومدوياً له عاد والتقط أنفاسه خصوصاً بعد التدخل العسكري السوري في العام 2015 وها هو يعيد “تطبيع” علاقاته مع عدد من الدول العربيّة (في خطوة متسرّعة وغير مضمونة النتائج من بعض العرب)، ومن غير المنتظر حصول متغيرات دراماتيكيّة في هذا المسار.

إلا أن الخطوات “الانفتاحيّة” المتلاحقة عربيّاً مع دمشق من الممكن أن تؤسّس لتنظيم هذا الملف بطريقة تحترم القواعد الدوليّة وحقوق الإنسان وتحفظ سلامة تلك المجموعات من النّاس التي سترغب حتماً بالعودة إلى ديارها. والحلّ السّياسيّ المنشود لا بدّ أن يتضمّن خطوات اقتصاديّة تغيّر الوضع القائم هناك تدريجيّاً وتتيح بذلك عودةً كريمةً متماشيةً مع العودة الآمنة والطوعيّة.

الملف بحاجة إلى حلول؟ هذا أمر حتمي. المهمّ البحث عن الطريقة البعيدة عن التحريض والحضّ على الكراهية واعتماد المقاربات العقلانيّة والمسؤولة. قد لا يعجب هذا الكلام البعض، هذا صحيح، ولكن كلمة الحق لا ترضي الجميع دوماً!