الأوّل من أيّار اللبناني

02 أيار 2023 08:19:00

ماذا كان جمهور العمّال والفلاحين والطلاب والموظفين اللبنانيين ليفعل لو أن الانهيار الذي يعيشه اليوم داهمه في سبعينات القرن الماضي؟

بالتأكيد ستكون الصورة مختلفة.

 

كانت النقابات الحقيقية قائمة بمنتسبيها وقادتها، وكانت الحركة الشعبية ويسارها الناشط بمثقّفيه وجمهوره الواسع العابر للطوائف، ومناخات الحرّيات العامة، كفيلة بجعل اي تحرّك شعبي عنصراً جدّياً في موازين القوى السائدة.

 

وفي المقابل كان أي تحرك سيتوجّه إلى سلطة قائمة ودولة موجودة، وليس إلى زعيم طائفة أو شيخ طريقة كما هو الحال الآن.

 

 

كان لبنان النقطة الأولى في بحر السلطنة العثمانية الذي يحتفل بعيد العمال العالمي في الأول من أيار 1907. على الروشة التقى خيرالله خيرالله ابن جران البترونية ومصطفى الغلاييني وجرجي نقولا باز البيروتيان وفيلكس فارس( صليما) وداود مجاعص (الشوير) وغيرهم لإحياء المناسبة سرّاً. لم يكن المشرق يعرف هذا العيد.

بعد أربعة اعوام ستشهد السلطنة احتفالاً ثانياً في سالونيك اليونانية اليوم ( 1911)...

 

 

لم يتوقف الاحتفال بعيد العمال في لبنان منذ ذلك التاريخ. كانت المناسبة تتويجاً ليوميات نضالية حققت على مدى عقود مكتسبات لا يمكن اغفالها من قانون العمل في 1946 إلى قيام الضمان الاجتماعي مروراً بتعميم التعليم الرسمي وقيام الجامعة الوطنية والمنح الطلابية.

 

 

كسرت الحروب الأهلية كل هذا المسار. وحوّلت سلطات ما بعد الحروب البلاد إلى مزارع ومشاعات. أفرغت النقابات من مضمونها. أعادت صياغتها حصصاً طائفية ومذهبية، لتغطية فسادها ونهبها وقضمها للدولة، ثم لجعل البلد والدولة نفسها رهينة لصالح الدول الأخرى.

 

 

لا تحتاج الحركة العمّالية والشعبية اللبنانية في عيد العمال إلى برنامج نقابي وإنّما إلى قيادة سياسية تحدّد الأولويات وتعمل من أجلها. البرنامج المطلبي صاغته المجموعة المالية السياسية الحاكمة بنفسها باعتماد سياسة السطو والنهب، وشرحته المؤسسات الدولية بدقة. ألا يكفي ان يحتل لبنان المرتبة الأولى بين دول العالم في تضخّم أسعار الغذاء، كما جاء في تقرير البنك الدولي، سابقاً زيمبابوي ورواندا، ليكون ذلك عنواناً لردٍّ شامل يطيح بكلّ "اللّصوص المركزيين"؟

 

 

كان الهمّ المطلبيّ النقابيّ يطغى تاريخياً على احتفالات لبنان بعيد العمال، وسيبقى هذا الهمّ طاغياً لكنّه لن يكون مجدياً اذا لم يترافق مع عنوان آخر لا معنى له من دونه. سيكون الأوّل من أيّار، وكل يوم آخر، مناسبة للعمل من أجل قيام الدولة واستعادتها من قطّاع الطرق واعادتها إلى ناسها. فمن دون بلد سيّد مستقل ودولة مؤسسات، ستبقى الأعياد الشعبية، مجرّد استعادة لطقوس يمكن أن يبتلعها الزمن.