يجرّ الحلونجي طالب بلحس، صباح كل يوم، عربته المملؤة بشتّى أصناف الحلويات، يقف وسط شارع الشاكرية الشعبي في صيدا، ينادي على بضاعته وسط الازدحام ليكسب قوت يومه، ويقول لـ "نداء الوطن": "لا نعرف العطل أبداً، والأعياد تفقد معانيها في ظلّ الأزمات الاقتصادية"، قبل أن يضيف: "عيد العمّال يأتي هذه المرّة في ظروف أكثر صعوبة وفتكاً بالناس، وكاد العامل يُقاتل على كلّ الجبهات المعيشيّة من أجل توفير لقمة عيشه الكريم، والبقاء على قيد الحياة وسط غول الغلاء وارتفاع سعر صرف الدولار".
في عيد العمال، يردّد هؤلاء المقولة الشهيرة "عيد بأيّ حال عدت يا عيد"، ويقول العامل حسن جداوي لـ "نداء الوطن"، وهو يبيع عصير الجزر على عربة نقالة في السوق التجاري: "منذ بدء الأزمة والفرح وبهجة الأعياد تغيب عنا، فالعمّال في أوضاع مزرية جداً وكل يوم بيومه، أصبحنا نعيش على مقولة "قوت لا يموت"، آملاً ان يلهم الله المسؤولين الوعي لإنقاذ لبنان من أزماته والخروج من خلافاته وانتخاب رئيس للجمهورية قبل فوات الأوان".
داخل سوق النجّارين، يقف المعلّم السبعينيّ محمد شامية خلف منشرته، وينهمك في جلخ قطعة من الخشب، يتطاير شرار النار منها، ويقول لـ "نداء الوطن": بتنا نكتوي بنار الغلاء وقلّة الأشغال مثل هذه النيران الحارقة، لم يبق في السوق الإ قلة، بل وأقل من أصابع اليد الواحدة، الازمة الاقتصادية فتكت بالحرفيين وباتت مهنة فلوكلور ولالتقاط الصور فقط".
وحال العمّال في عيون رئيس اتحاد نقابات العمال والمستخدمين في الجنوب عبد اللطيف الترياقي لا تسر القلب ولا ترضي العقل، ويقول لـ "نداء الوطن": "ان الاوضاع كارثية بكل للكلمة من معنى، وكل عام يأتي العيد أصعب من السابق بل وأخطر، الازمات تشدّ الخناق على الناس وتكاد تموت"، قبل أن يضيف: "معايدة العمّال من دون تحقيق مطالبهم وتأمين عيشهم الكريم لا معنى لها، ولكنّنا لن نيأس وسنبقى ندافع عن حقوقهم المشروعة حتى الرّمق الاخير، ولكن للأسف كلّما توصّلنا الى اتّفاق جرى تعديله بسبب ارتفاع الدولار الجنوني الذي يأكل الرواتب ويجعله بلا قيمة".
الترياقي الذي أكّد على استمرار النضال المطلبي من أجل تحسين رواتب العمّال وحدها الادنى قد اقرّ اليوم بنحو 9 ملايين ليرة لبنانية، ليست المطالب الوحيدة، هي بداية الخطوات لتصحيح الواقع المرير، قائلاً: "نحن مع حوار ثلاثي الاطراف، النقابات والدولة وارباب العمل، كي نتفادى انفجاراً اجتماعياً قريباً، يكفي ما يعيشه البلد من أزمات وخلافات وعلينا التقاط الاشارات الايجابية للظروف الاقليمية كي نركب القطار ونوقف انهيار لبنان".
يجمع عمال صيدا على أن عيدهم هذا العام يحلّ في ظل تدهور معيشي غير مسبوق وأسوأ أزمة تعيشها البلاد منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990، محمّلاً بأعباء اقتصادية واجتماعية ومعيشية مضاعفة جعلت الاحلام مفقودة والرواتب محدودة وتراجع حاد في قدرة المواطنين الشرائية، أجبرتهم على ترتيب سلّم الأولويات واعتماد التقشّف أسلوباً جديداً في الحياة.
وتقول العاملة في أحد محال الالبسة لينا عزام لـ "نداء الوطن"، إنّ "الضائقة المعيشية دفعتها الى العمل عنوة وبراتب زهيد بالكاد يكفي مصروفها اليومي مع طبخة اليوم"، قبل ان تضيف بحسرة: "لقد أوقفت تعليمي الجامعي وانخرطت في سوق العمل من أجل مساعدة عائلتي على العيش الكريم، والدي مريض ولا يقوى على العمل. أزمة لبنان أفقدت جيل الشباب احلامه ومستقبله".
بينما يقول مفيد حكواتي: "أكمل دراستي وأعمل سائق دليفري في الوقت نفسه، من اجل دفع أقساط الجامعة وتوفير مصروفي اليومي من دون الحاجة الى والدي الذي يعمل مياوماً، وكل يوم من أجل سدّ رمق العائلة".