Advertise here

مأساة حقيقية للعمّال في عيدهم.. انهيار وشلل وفقدان للقدرة الشرائية

01 أيار 2023 17:34:02 - آخر تحديث: 01 أيار 2023 17:56:45

يفضّل العمّال حتماً إلغاء عيدهم حتى إشعارٍ آخر، فهو لا يرقى لمستوى العيد في ظل الظروف القاهرة التي يمرّون بها مع تدنّي مستوى عيشهم إلى حدود لا مثيل لها منذ عقود، فقدرتهم الشرائية تراجعت، ومدخّراتهم تبخّرت، وباتوا ينتظروا المساعدات الدولية لتأمين الحد الأدنى من الاكتفاء الذاتي، بعدما كانوا ينتمون إلى الطبقة الوسطى، وقادرين على تأمين حياة لائقة.

لم تفلح السلطة السياسية في تحسين ظروف العمّال، لأن قراراتها الترقيعية لجهة زيادة الحد الأدنى ومضاعفة الرواتب لموظفي القطاعين العام والخاص تتأخّر كثيراً، ولا تواكب ارتفاع سعر صرف الدولار، والزيادات أساساً تكون ناجمة عن عمليات طبع ليرة، ما يؤدّي إلى ارتفاع حجم الكتلة النقدية، وبالتالي تضخّم فارتفاع سعر الدولار أكثر، لتخسر الرواتب قيمتها من جديد.

في هذا السياق، أشار نائب امين عام اتحاد نقابات موظفي المصارف أكرم عربي إلى أن "الموظفين يعيشون مأساة حقيقية مع تدنّي قيمة العملة، انهيار مؤسسات القطاع الخاص، وشل مؤسسات القطاع العام، ونتيجة هذا الواقع، تم صرف آلاف الموظفين، وعلى سبيل المثال، فإن القطاع المصرفي خسر 15 ألف موظف بين تسريح واستقالة من أصل 26 ألفاً، والرقم مرشّح للارتفاع مع الاتجاه نحو سياسة دمج المصارف، وهكذا دواليك بالنسبة لباقي المؤسسات".

وفي حديث لجريدة "الأنباء" الإلكترونية، لفت عربي إلى أن "الحكومة غير قادرة على رفع رواتب القطاع العام بشكل كبير بسبب غياب المدخول نتيجة الإضراب والعوامل الاقتصادية الأخرى، وأرباب عمل القطاع الخاص لا يرفعون الرواتب لتجاري ارتفاع سعر الصرف لأن معظم حيتان مال وتجّار، يطمعون بتحقيق الأرباح على حساب موظفيهم، فيبقى العامل الضحية في كل الأحوال".

أما وبالنسبة للحلول، شدّد عربي على أنها لا يُمكن أن تكون منفصلة عن السياسة، فالمطلوب أولاً إنجاز الاستحقاقات الدستورية وعلى رأسها انتخاب رئيس للجمهورية، ومن ثم تشكيل حكومة إصلاحية، وإقرار القوانين ومراقبة الأسواق ومحاسبة كل فاسد، ودون هذه الإجراءات، لا سبيل لإنقاذ طبقة العمّال من المستنقع".

أما وعن الحركة النقابية وموقعها مما يجري، لفت عربي إلى أن "ثمّة أزمة ثقة بين العديد من الموظفين والنقابات التي تُدافع عنهم، خصوصاً وأن نقابات عدّة خاضعة سياسياً الأمر الذي أفقدها دورها في تحصيل حقوق الموظفين، علماً أن تفتيت الحركة النقابية مسلسل بدأ في زمن الوجود السوري في لبنان، حينما تم منح التراخيص عشوائياً لتأسيس النقابات، واستمر مع تبدّل السلطة"، مع تأكيده وجود نقابات مستقلّة.

من جهته، ذكّر نائب رئيس الاتحاد العمالي العام حسن قفيه بقول للمتنبي، "عيد بأي حال عدت يا عيد"، ولفت إلى أن الحالة الاقتصادية والتحدّيات التي تواجهها بين انتشار الوباء وانفجار مرفأ بيروت والانهيار الاقتصادي، بالإضافة إلى تراجع فرص العمل وغياب الاستثمارات فرضت نفسها واقعاً صعباً على الموظفين الذين يعانون أسوأ الظروف.

وفي حديث لجريدة "الأنباء" الإلكترونية، أشار فقيه إلى أن "الحكومة تُحاول قدر الإمكان تحسين ظروف موظفي القطاعين العام والخاص، لكن الزيادات التي أقرتها لا تكفي لبضعة أيام، في ظل ارتفاع تكاليف العيش والضرائب، لكن في الوقت عينه، فإن الدولة محرومة من مداخليها بسبب إضراب الموظفين، وبالتالي المطلوب عودة هؤلاء إلى عملهم لتحسينات إضافية".

وبالنسبة للحلول المستدامة، قال فقيه: "على القضاء أخذ دوره ومحاسبة الذين هدروا المال العام بالدرجة الأولى، كما أن المطلوب تنظيم العمالة الأجنبية في لبنان ومقاربة هذا الملف بشكل قانوني عملي لا تحريضي عنصري، وإعادة النظر بتركيبة السلطة الحالي بشكل كامل، وصولاً إلى إعادة إنتاج هذه السلطة من جديد".

وفي سياق العمل النقابي نفسه، أشار المستشار النقابي والقانوني في المرصد النقابي لحقوق العمّال والموظفين عصام ريدان إلى أن "ما يعمّق أزمة العمّال غياب العمل النقابي الحقيقي، بسبب الخلل المحوري الذي تعاني منه الحركة النقابية، وهو هيمنة السياسة والطائفية عليها، فالانتماءات السياسية فرّقت العمال وأضعفتهم، وبعض القوى السياسية وضعت يدها على الاتحاد العمالي من خلال النقابات الوهمية، وفتّتت العمل النقابي".

وفي حديث لجريدة "الأنباء" الإلكترونية، لفت ريدان إلى أن "الحل يكمن في هيكلية نقابية جديدة بعيدة عن المحاصصة السياسية والمذهبية، وتنظيم العمل النقابي على أساس قطاعي، على أن يكون التمثيل النقابي في الاتحاد العمالي العام نسبي، أي حسب عدد المنتسبين لكل نقابة، ومن شأن ذلك خفض تمثيل الاتحادات والنقابات الوهمية".

أما وعن مشاركة 17 تشرين في الحركة النقابية، رأى ريدان أنها مشاركة "خجولة وضعيفة جداً، لجملة من الأسباب، أبرزها غياب القيادة النقابية لهذه الحركة، غياب البرامج، وغياب التنظيم النقابي الديمقراطي، علماً أنهم لم يُحاورا العمّال ولم يكتسبوا ثقتهم، التي يفتقدها الاتحاد العمالي العام أيضاً".

ختاماً، فإن الموظفين يمرّون في أسوأ المراحل منذ عقود، والحركة النقابية غير فاعلة بشكل كافٍ لتحصيل الكم الأكبر من الحقوق، لاعتبارات عديدة، منها ما هو مرتبط بالسياسة، ومنها ما هو مرتبط بالانهيار الاقتصادي، لكن الحال لا يُمكن أن يستمر على ما هو عليه، والمطلوب مقاربات جديدة للملف برمّته، على الصعيدين القريب والبعيد المستوى.