Advertise here

مصدر دبلوماسي لـ"النهار": الرياض أبلغت باريس أن وصول مرشح "حزب الله" سيحجب المساعدات

01 أيار 2023 07:30:00 - آخر تحديث: 01 أيار 2023 08:46:37

لم تغيّر زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى بيروت شيئاً في الوقائع اللبنانية حول التعامل مع الاستحقاقات خصوصاً الرئاسة. تخطت جولة عبد اللهيان اللبنانية رئاسة الجمهورية، إذ لا حاجة لزيارة ديبلوماسية أن تقرر مصير مرشح رئاسي أو تبلغ من يعنيهم الأمر أن موقف إيران هو مع هذا المرشح أو ذاك، فهناك قنوات أخرى تحدد هذا المسار، وإن بدا الوزير الإيراني منفتحاً أكثر بعد الاتفاق مع السعودية بإعلانه عدم التدخل في الشأن الرئاسي اللبناني. الديبلوماسية الإيرانية تشتغل بطريقة مختلفة، ولذا لم تحدث مواقف عبد اللهيان انقلاباً في الوضع اللبناني، وما أزالت الاستعصاءات الداخلية القائمة، بل أظهرت الانقسامات بوجهها الحقيقي، والرهانات اللبنانية المتناقضة على الخارج والاستقواء به في ما يتعلق بالتسوية.

الثابت في المعادلة الراهنة ان الانقسامات اللبنانية على حالها، وهذا ما تعكسه المواقف السياسية، وإن كان رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد حاول أن يوحي بكلامه الأخير أن الحزب مستعد للتفاهم والتنازل لمصلحة الوطن. لكن المؤشرات السياسية لا تغيّر النظرة الإيرانية إلى الساحة اللبنانية لجهة توظيفها ضمن استراتيجيتها في المنطقة، وإن كانت الأمور اليوم مفتوحة على التسويات إقليمياً، إذ تسعى طهران عبر جولات عبد اللهيان إلى استثمار التقدم في العلاقات السعودية – الإيرانية وتأدية دور مختلف خصوصاً في سوريا ولبنان تحديداً.

غرق اللبنانيون في الرهانات المتناقضة بعد زيارة عبد اللهيان. فرغم الكلام الهادئ الذي واكب الزيارة يعتبر "حزب الله" أن المواقف الدولية تصب في صالحه، ولذا يمكن تقديم الموقف بطريقة مختلفة كما أخرجه محمد رعد حول الاستحقاق الرئاسي عبر التفاهم، من دون أن يتنازل قيد أنملة عن تبني ترشيح سليمان فرنجية. فيما قوى المعارضة أو خصوم "حزب الله" يراهنون على التناقضات الخارجية وتباعد الرؤى الدولية حول مرشح الممانعة. لا يعني ذلك أن إيران تقدم تنازلات في لبنان بعد اتفاق بكين، لا بل إنها تعتبره في صلب أجندتها في المنطقة. ينعكس هذا الأمر على الاستحقاق الرئاسي، إذ لا مؤشرات على تراجع الممانعة عن خيار سليمان فرنجية، علماً أن عبد اللهيان ترك هذا الملف بتصرف "حزب الله"، ولا مؤشرات حول وجهة إيرانية لتقديم تنازلات، إنما استثمار إضافي لتحسين الشروط في أي تسوية محتملة وفرض الرئيس الذي يريدونه.

دعوة النائب محمد رعد، للتنازل، لا تعني وفق مصدر سياسي متابع التخلي عن سليمان فرنجية، لا بل هي مؤشر للتمسك به أكثر انطلاقاً من رهانات خارجية. التنازل يبدأ من التخلي عن فرض الشروط المسبقة، وهو بهذه الحالة لا يتطابق مع الحديث عن التفاهم، الا باعتباره رسالة بأن انجاز الاستحقاق الرئاسي والتسوية لا يمران إلا من بوابة "حزب الله". يعكس ذلك أيضاً رهاناً على تغيير في الموقف السعودي انطلاقاً من التطورات الإقليمية ومفاعيل الاتفاق مع إيران، خصوصاً بعد الضخ المتواتر من جهات داخلية عن أن الرياض بدأت تتعامل مع ترشيح فرنجية كأمر واقع. لا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يروج حديث عن أن فرنسا شارفت على انتزاع موافقة سعودية عليه، وهو ما يزيد من الضغوط على القوى الرافضة لترشيح فرنجية كمرشح وحيد للرئاسة.

لكن الأجواء السياسية الآتية من السعودية تدحض ذلك، إذ يفيد مصدر دبلوماسي مطلع على أجواء المباحثات الفرنسية- السعودية حول لبنان أن الرياض لا تزال تتمسك بمواصفاتها للرئاسة، وأنها لم تدخل في تفاصيل هذا الملف ولم تقترح أسماء محددة أو هي بصدد دعم أي مرشح. وفي المقابل يفيد المصدر الدبلوماسي أنها أبلغت باريس موقفها بوضوح، فإذا كانت قادرة على إيصال مرشح معين بأكثرية لبنانية، لن تتدخل في الامر، وهي لن تخرج عن المواصفات التي أعلنتها للاستحقاق.

الأخطر وفق المصدر الدبلوماسي أن السعودية أبلغت الفرنسيين أن وصول مرشح "حزب الله" إلى الرئاسة سيحجب أي مساعدات لانتشال لبنان من أزمته، لا بل أنها لن تكون ضمن اي جهد دولي للتسوية والحل. الامر لا يتوقف عند ذلك، بل يعود المصدر إلى الاتصال الهاتفي الشهر الماضي بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي بحث الشأن اللبناني، حيث كان الأخير واضحاً في رفضه المقايضة الفرنسية، إن كان في ما يتعلق بسليمان فرنجية أو بنواف سلام الذي لا يُعتبر خياراً سعودياً لرئاسة الحكومة. 

لكن ذلك لا يعني انسداد أفق البحث الفرنسي – السعودي، حول الاستحقاق اللبناني، فبالنسبة إلى الفرنسيين، لم تصل الامور إلى الفشل، وهم لا يزالون يراهنون على فتح نافذة مع السعودية لاقناعها بخيار فرنجية، إذ أن باريس لم تتخل نهائياً عن مبادرتها رغم بيان خارجيتها الأخير. ويشير المصدر الدبلوماسي أنها تُصر على تحقيق انجاز لبناني يكرس وضعها في المنطقة، وإن كانت علاقاتها مع الأميركيين اليوم ليست في أحسن أحوالها. فهي ستواصل مساعيها لإقناع السعودية بمقايضتها معتبرة أن لا مجال لإخراج لبنان من أزمته إلا بخيار فرنجية. وتستند المبادرة الفرنسية إلى تداعيات للاتفاق السعودي- الإيراني، وإن كان لم يتناول الملف اللبناني أو أقله لم يكن من الأولويات، إذ أن لبنان يحتاج إلى بحث منفصل إن كان إيرانياً – سعودياً أو فرنسياً - سعودياً، وهو ما تعول عليه باريس في هذا الشأن.

من هذا المدخل ينعكس الحراك الاقليمي والدولي على الساحة اللبنانية، ولذا لا يمكن فصل زيارة عبد اللهيان إلى بيروت ودمشق وقبلها سلطنة عُمان عن هذا المسار. المفارقة أن ما يحدث يصب في صالح "حزب الله" الذي بات يشكل محور البحث في الشأن الرئاسي والتسوية في لبنان. ويشير المصدر في هذا السياق إلى أن باريس مستمرة بعلاقاتها مع الحزب، فيما هناك تواصل بين سلطنة عُمان و"حزب الله"، ولا يستبعد أن تدخل دمشق بقوة على هذا الخط، انطلاقاً من علاقتها بإيران التي تشدد على أن أي بحث بالرئاسة اللبنانية وبملفات البلد عموماً لا بد من أن يمر عبر "حزب الله" والتفاوض معه. لكن السعودية وفق المصدر ترفض حتى الآن التفاوض مع الحزب أو فتح قنوات معه وفي حال غيّرت موقفها، فإن "حزب الله" يكون قد فرض مرشحه سليمان فرنجية رئيساً.

أمام هذه التطورات يبقى الملف الرئاسي معلقاً إلى أمد غير منظور، لكن المصدر الدبلوماسي يشير إلى غياب الادارة الأميركية عن البحث أو الاهتمام بهذا الملف، حيث تشكل الكلمة الأميركية مفصلاً في هذا المسار،. فحتى الآن لم تقل واشنطن كلمتها الأخيرة، وهي تركز على العقوبات كمؤشر لموقفها من الوضع اللبناني عامة. وإلى أن تنضج المواقف وتتحدد الاتجاهات يبقى لبنان اسير الرهانات المتناقضة والانهيار والفراغ وحكم الامر الواقع.