هَمّوا بالخروج من عصف الاقتتال، ولم يحملوا بيديهم سوى روحهم. رحلة 50 من المواطنين اللبنانيين اجتمعوا داخل حافلة كبيرة في طريقهم من الخرطوم إلى مرفأ السودان، لم تكن كما الاستعدادات الطبيعية المُتَعارف عليها للعودة إلى رحاب الوطن. سارعوا إلى التحدّث مع الهيئة العليا للاغاثة وأبناء الجالية اللبنانية، واحتشدوا أمام فندق في الخرطوم بانتظار انطلاق الباصات السادسة مساءً على وقع "فرقعة" القصف. احتاج وصولهم إلى المرفأ السودانيّ 12 ساعة متواصلة. ثم اجتمعوا في قنصلية المملكة العربية السعودية التي اضطلعت بجهود بارزة لتأمين سبيل الإجلاء إلى برٍّ آمن، فمُنحوا تأشيرات "ترانزيت" من الجاليات كافة، وصَعَدوا في عبّارة حتى وصلوا إلى المياه الاقليمية السعودية ونزلوا في بارجة واحدة بعد رحلة بحرية استغرقت 20 ساعة إلى جدّة. وبحسب الأجواء التي يرويها أحد المواكبين للرحلة، فإنّ المحطة في جدّة تخلّلها تقديم المأكل ووسائل الراحة والطبابة لمن احتاجها، مع الاشارة إلى اتخاذ الاجراءات القانونية للإجلاء. وفي الاطار، نزل اللبنانيون في فندق بجدّة وحصلوا على تذاكر سفر إلى بيروت ضمن 3 رحلات.
إذاً شملت العودة إلى بيروت 50 لبنانيّاً ضمن ظروف صعبة في الخرطوم، كان لها أن سلّطت الضوء على السؤال عن معرفة أعداد اللبنانيين في السودان. ووفق معطيات "النهار" المستقاة من أوساط مسؤولة عن الشؤون الخارجية في الجالية اللبنانية بالخرطوم، فإن العدد الإجمالي للبنانيين المقيمين في السودان راهناً يبلغ حوالي 125 شخصاً فقط عاد 50 من بينهم إلى بيروت، في وقت اختار آخرون البقاء علماً أن غالبية الذين اتخذوا قرار المكوث في السودان يعيشون في مناطق بعيدة عن العاصمة السودانية أو فضّلوا عدم المغادرة بل الاستمرار بالقرب من ممتلكاتهم وأرزقاهم. وتجدر الاشارة إلى أن أعداد اللبنانيين في السودان كانت تقلّصت في السنوات الماضية بعدما كان العدد الاجمالي يفوق 650 شخصاً في مرحلة 2006، لكن بيع أو إقفال فروع لشركات ومصارف لبنانية في الخرطوم قبل سنوات، قلّص عدد الموظفين الذي يشمل حالياً أصحاب متاجر يزيد عددهم عن المئة بقليل. وهم يعتزمون العودة إلى منازلهم وأرزاقهم التي منها تحوّلت إلى متاريس، آملين انتهاء مظاهر الحرب وعودة استتباب الاستقرار.
بدورها، واكَبَت وزارة الخارجية اللبنانية عملية إجلاء الرعايا اللبنانيين من الخرطوم، والتي تركّز مصادرها على تأكيد أهمية وجود تمثيل ديبلوماسي للدولة اللبنانية خارجاً وهذا ما أظهَرَته واقعة الخرطوم، رغم الأزمة الاقتصادية التي يعانيها لبنان والمطالبة المتصاعدة مؤخراً بإقفال سفارات. وقد تبلورت مهمة الاجلاء بالتواصل بين السفارة اللبنانية في الرياض والقنصلية العامة في جدّة وسفارة المملكة العربية السعودية في السودان. في السياق، ورداً على سؤال "النهار" حول كيفية منح التأشيرات بسرعة، يقول مصدر رسمي في الخارجية اللبنانية، إنّ "وزارة الخارجية واكبت موضوع منح التأشيرات للبنانيين وغير اللبنانيين؛ أنت تعمل على الخطّ السعودي من جهة، وعلى الخطّ المصري من جهة ثانية، بما يشمل مواطنيين لبنانيين ومصريين وسعوديين وفلسطينيين ولاجئين سوريين. وقد عمل السفير اللبناني في القاهرة على تسهيل الدخول إلى مصر أيضاً لمن كانت وجهته أسهل نحوها... وهكذا، أُجلي جميع المواطنين العرب الذين يريدون مغادرة الخرطوم".
وإذ بدا لافتاً إشارة الخارجية اللبنانية إلى أنه "لولا السعودية لكنّا تيتّمنا"، فإن إجابة المصدر الرسمي في الوزارة هنا، تلفت إلى أن "السلطات السعودية سهّلت كثيراً ووضعت قدراتها اللوجستية في خدمة المواطنين العرب وقدّمت السفينة مجّاناً وفتحت أبواب بلادها ومنحت التأشيرات وأدخلت الجميع رغم المحاذير الأمنية. وبدورها، سهّلت مصر كثيراً، لكننا استخدمنا الخطّ السعودي أكثر من المصري لإجلاء المواطنين".