تتعدد المحاولات للوصول إلى قواسم مشتركة بهدف الخروج من المراوحة التي لا تزال تمنع انتخاب رئيس للجمهورية. ولم تعد تقتصر على الاتصالات التي يجريها النائب غسان سكاف بعد أن انضم إليه من موقع الاختلاف نائب رئيس المجلس النيابي إلياس بو صعب بمبادرة شخصية منه ولا يحظى، كما يتردد، بتأييد رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل.
وينطلق بو صعب من تدوير الزوايا في محاولة لإحداث خرق، ويراهن على قدرته على مد جسور التواصل بين الكتل النيابية؛ بحثاً عن قواسم مشتركة لطي صفحة التمديد للشغور الرئاسي، وافتتح مشاوراته على الكتل النيابية بلقاء رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، ويفترض أن يستكملها بلقاءات تشمل رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، ورئيس «اللقاء الديمقراطي» تيمور وليد جنبلاط، وقيادة حزب «الكتائب»، والبطريرك الماروني بشارة الراعي وآخرين، مع أنه لا عائق يحول دون اجتماعه بفرنجية، وكان سبق له أن أعلن استعداده لتأييده إذا احتاج إلى صوته، وهذا ما تسبب باهتزاز علاقة بو صعب بباسيل. ويتحرك بو صعب من موقعه كنائب لرئيس المجلس النيابي لتفادي الدخول في إحراج مع باسيل الذي يحصر بشخصه التعاطي مع الملف الرئاسي، كما أن بو صعب على تواصل مع الرئيس نبيه بري والنواب المنتمين إلى قوى «التغيير» أو المستقلين.
ويتلازم تحرك بو صعب مع ما يقال بأن باريس لم تقطع الأمل في إقناع باسيل بالعودة عن قراره المناوئ لترشيح فرنجية، وهي تلتقي مع عدم انقطاع التواصل بين «حزب الله» و«التيار الوطني» رغم أن رئيسه ذهب بعيداً في معارضة فرنجية.
ويقول مصدر بارز في «الثنائي الشيعي» إن باسيل اعتاد في تصعيده السياسي الوقوف على حافة الهاوية لكنه سرعان ما يبادر إلى التموضع وينخرط في التسوية بعد أن يكون رفع «سعره السياسي» لتحسين شروطه، وهذا ما يدفع بـ«حزب الله» إلى توفير الضمانات المطلوبة لتأمين انتقاله إلى الضفة المؤيدة لفرنجية، وإن كان يعتقد بأنه قد يواجه صعوبة في تنعيم موقف حليفه في ظل ارتفاع منسوب التوتر السياسي بين حليفي الأمس.
ويلفت المصدر نفسه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن الوضع داخل «التيار الوطني» وتكتل «لبنان القوي» برئاسة باسيل يمر بمرحلة حساسة، ويشهد تصاعد الخلاف الصامت، وإن كان يظهر للعلن في بعض الأحيان، بين باسيل والنواب المحسوبين عليه وآخرين يأخذون عليه تفرده في اتخاذ القرارات، والذهاب بعيداً في هدم جسور التواصل مع معظم القوى السياسية.
ولا يجد المصدر في «الثنائي الشيعي»، بحسب قوله، صعوبة في كسب تأييد نواب من تكتل «لبنان القوي» للمرشح فرنجية يتجاوز النواب المنتمين إلى حزب «الطاشناق» ومعهم النائب عن منطقة عكار محمد يحيى والتحاق آخرين بهم، لكنه لا يزال يراهن على دور الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله في إقناع باسيل بضرورة تليين موقفه وعدم معارضته على الأقل لوصول زعيم «المردة» إلى الرئاسة. ويقول المصدر إن «حزب الله» يراهن على كسب تأييد «التيار الوطني» لفرنجية، على الأقل من خلال ضمان تأمين حضور أكثرية ثلثي النواب للجلسة المخصصة للانتخاب لتأمين فوز فرنجية، مؤكداً أن نصر الله يقف أمام مهمة شاقة في مسعاه لدى باسيل الذي ذهب بعيداً في خلافه مع الحزب؛ ظناً منه بأنه يستعيد دوره في الشارع المسيحي. لذلك، فإن إجماع حزب «القوات» و«التيار الوطني» و«الكتائب» على رفضهم تأييد فرنجية لم يفتح الباب أمام توافقهم على اسم المرشح القادر على خوض الانتخابات الرئاسية.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر النواب الذين زاروا مؤخراً واشنطن، أن المسؤولين الأميركيين المعنيين بمواكبة الملف اللبناني يأخذون على باريس ذهابها بعيداً في خياراتها الرئاسية بدعمها ترشيح فرنجية، وهذا ما عبّرت عنه مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط باربرا ليف، بقولها أمام النواب إن الإدارة الأميركية اضطرت للتدخل لضبط إيقاع الاندفاع الفرنسي باتجاه فرنجية.
وفي المقابل، تحاول سفيرة فرنسا لدى لبنان آن غريو العائدة لتوها من باريس تلطيف الموقف الفرنسي. ويُنقل عنها قولها إن باريس لا تؤيد مرشحاً معيناً للرئاسة، وإنما تتعامل بواقعية سياسية مع الملف الرئاسي من زاوية أن فرنجية، من وجهة نظر فرنسية، لا يزال هو الطريق الأقرب لإنهاء الشغور الرئاسي.
وتضيف، كما ينقل عنها، أنه لا يمكن تخطي «الثنائي الشيعي» في ترشيحه لفرنجية، وأن انتخابه يبقى الأسهل لوقف تدحرج لبنان نحو الانهيار، وتؤكد أن فرنجية يقف على رأس السباق إلى الرئاسة في ظل خلاف قوى المعارضة ودورانها في حلقة مفرغة برفضها فرنجية من دون أن تتمكن من توحيد موقفها حول اسم مرشح تخوض على أساسه الانتخابات.