Advertise here

من سيتجرّع الكأس؟

26 نيسان 2023 07:20:27

لا يمكن أن يستمر الوضع الراهن في لبنان على حاله المأسوي، ذلك أنّ استدامة واقع المراوحة الذي تؤججه خطوات الانهيار المتلاحقة من شأنه أن يفتح المخاطر على مصراعيها ويخرج الأمور عن السيطرة. 

صحيحٌ أنّ البعض يعوّل على «خمول» أو «ذهول» الشعب اللبناني ووصوله إلى مرحلة القبول القسري بالأمر الواقع بما يتضمنه من قهر وإذلال وإفقار متعمّد؛ ولكن هذا الواقع لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية. 

الانفجار الاجتماعي قد لا يأخذ شكله التقليدي من خلال إندلاع ثورة أو تحرّك تظاهرات، بل هو قد يذهب نحو إتجاهات أكثر خطورة، منها القلاقل الأمنيّة المتنقلة وارتفاع معدلات الجريمة وازدياد حالات السرقة، وهي ظواهر مفهومة، إنما غير مبررة بطبيعة الحال، إزاء تفاقم ظاهرة الانحلال الأخلاقي والقيمي في المجتمع.

لعل شرائح واسعة من المواطنين قد وصلت إلى قناعة بأنّ تعثّر آليّات المحاسبة والمساءلة أقله على المستويين السياسي والقضائي بات يجعل النضال من أجل التغيير عديم الجدوى، خصوصاً وأنّ نهج التعاطي مع الملفات الوطنيّة لم يتغيّر والمقاربات التعطيليّة التي سبق أن اعتمدت في مراحل مختلفة لم تتأثر بواقع الانهيار، وواصلت بعض القوى اعتمادها وكأن شيئاً لم يكن.

هذه الهوّة العميقة بين السلطة والمواطنين سوف تتسع وتتعمق مع استمرار المراوحة التي انسحبت في الآونة الأخيرة نحو مستوى جديد وهو السلطة المحليّة مع التأجيل الأخير للانتخابات البلديّة والاختياريّة، التي أصبح وضع العديد منها متعثراً مع مرور السنوات بسبب الوفاة أو الخلافات التي تدب أحياناً كثيرة بين أعضاء المجالس البلديّة، ما جعلها بحاجة لتجديد ملح.

إذا كان التأجيل المحتوم أفضل من الوقوع في الفراغ ما يولد الكثير من الاشكاليّات لا سيّما في الأوراق والمعاملات الرسميّة؛ فإنّه يفترض أن يكون التأجيل الأخير بحيث يتم التحضير جيّداً لإجراء الانتخابات من دون أي مراوغة أو تأخير إضافي، لأنّه لن يكون لذلك ما يبرره ولا حتى على المستوى المالي لأنّ توفير المبالغ المطلوبة، وهي زهيدة قياساً لمنافذ الهدر العديدة في الدولة وفي طليعتها الكهرباء، ليس عقبة مستعصية.

المهم الآن أنه لا يمكن للقوى القابضة على السلطة وعلى ناصية القرار الوطني أن تواصل سياسة الإنكار والإغفال والإهمال، وأن تستمر في إدارة الظهر عن الاستحقاق الدستوري والوطني الأهم المتمثل أولاً بانتخاب رئيس للجمهوريّة الذي يشكل مدخلاً طبيعيّاً لإعادة الانتظام للمؤسسات الدستوريّة.

بصرف النظر عن هوية الرئيس العتيد، فهو لن يملك عصا سحريّة يمكن من خلالها توقع تطبيق سريع للحلول المنتظرة، ولن يتمكن بين ليلة وضحاها أن يعالج المشكلات المتراكمة في مختلف الاتجاهات والقطاعات. ولكن، لا شك بأنّ انتخاب شخصيّة معتدلة على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين يُشكّل بداية لرحلة الألف ميل.

من هنا، لا يمكن للأطراف المكوّنة للمجلس النيابي، وللكتل البرلمانيّة الكبرى تحديداً، أن تواصل سياسة التعادل السلبي مع الأطراف الأخرى، وأن تتحوّل المنافسة بالتالي من الصراع على انتخاب الرئيس إلى صراع على تعطيل انتخابه، وهو ما سيدخل البلاد في دوامة طويلة ومستدامة من الفراغ القاتل والمدمر ويصعّب بالتالي الخروج من النفق ويؤخر الحلول.

بات واضحاً أنّ الإسمين الرئيسيين المطروحين من قبل فريقي النزاع الأساسيين، فريق الممانعة وأخصامه (نواب التغيير بمعظمهم في واد آخر على ما يبدو)، قد استنفدا فرصهما وبات البحث عن بدائل لهما يتطلب مبادرات سياسيّة جديدة وجريئة، فمن سيتجرّع هذه الكأس؟