Advertise here

نحن المتفوقون جينياً

10 حزيران 2019 20:05:00 - آخر تحديث: 04 أيلول 2020 23:27:17

"لقد كرسنا مفهوماً لانتمائنا اللبناني، هو فوق أي انتماء آخر، وقلنا إنه جيني، وهو التفسير الوحيد لتشابهنا وتمايزنا معاً. لتحملنا وتأقلمنا معاً. لمرونتنا وصلابتنا معاً. ولقدرتنا على الدمج والاندماج معاً، من جهة، وعلى رفض النزوح واللجوء معاً من جهة أخرى”، قال وزير الخارجية اللبنانية جبران باسيل.

لقد أصبحنا على مستوى مختلف تماماً من الهذيان. لكنه هذيان المقتدرين، وهذا ما يجعل الأمر مخيفاً حقاً، ذاك أن الحرب على اللاجئين السوريين في لبنان تعود إلى أسباب جينية! أنت لبناني إذاً أنت ضد اللاجئين. علينا أن نتذكر المقولة الأثيرة خلال الحرب اللبنانية لرئيس حزب حراس الأرز اتيان صقر، حين قال إن على كل لبناني أن يقتل فلسطينياً. إتيان صقر في حينها كان جزءاً من منظومة ميليشيوية ترعاها إسرائيل، وهو كان عديم القدرة على جعل مقولته خطاب دولة و”أمة”. جبران باسيل، مكتشف الأصل الجيني للأمة اللبنانية، هو وزير خارجية لبنان وهو صهر  رئيس الجمهورية ورئيس أكبر تيارٍ سياسي، وفوق هذا كله هو حليف المقاومة، وليس عميلاً، وهذا كله يعني أن مقولته ستصبح نشيدنا الوطني.

تغريدة الوزير تصلح فعلاً لأن تكون نشيداً وطنياً للجمهورية الجديدة. جمهورية المقاومة والتفوق الجيني، ذاك أن الوزير إذا ما أعطي مجد النشيد فلن يبخل على المقاومة بحصة فيه.

وصاحب مقولة التفوق الجيني التي لم يعد أحد في العالم يجرؤ على المجاهرة بقناعته فيها، لا يقيم وزناً لشيء. وهل بعد مقولته مقولة؟ إنها النهاية، وهذه بدورها بداية. وعلينا نحن المواطنين في دولته وفي جمهوريته، أن نستيقظ كل صباحٍ على رائحة النفايات وأن نشعر بتفوقنا الجيني، وحين نصادف سورياً في طريقنا علينا أن نتحسس جيناتنا.

أليس مذهلاً أن يُجاهر وزير خارجية بلد، أي بلد، بقناعته بأن لسياساته بعداً جينياً؟ وفي هذه الحال فإن البعد الجيني لن يكون بريئاً من أوجه الفشل الموازية. فحينها سيصبح للفساد بعد جيني، وأيضاً للفشل والارتهان، فعمل الجينات لن يقتصر على رفض النازحين.

وصاحب المقولة هذا، حليف بشار الأسد، والأخير لن يضيره تفوق حليفه جينياً على مواطني الدولة التي يحكمها. أليس هو بدوره صاحب مقولة مشابهة عندما تحدث عن أن سوريا من دون النازحين أكثر انسجاماً اجتماعياً وسكانياً. وكم يبدو مذهلاً أن يلتئم شمل بشار وجبران في مقولة واحدة، وأن يستهدف تفوق الثاني جينياً رغبة الأول في مجتمع “نقي” يرفض عودة ملايين المواطنين خوفاً على “نقاء” دولته.

أليس مذهلاً أن يصمت سعد الحريري على كلام وزير خارجيته، على رغم أن التفوق الجيني الذي رصده رئيس الديبلوماسية اللبنانية قد يشمل تفوقاً على الحريري نفسه؟ أما “حزب الله”، فلصمته على حليفه دلالات أخرى، ذاك أنه امتداد لتقية مُراوغة، تدرك تماماً خواء خطاب التفوق هذا، لكنها لا تمانع من تفشيه طالما أنه موظف في مصلحتها، ولا يهدد تعاظم نفوذها.

جبران باسيل يرقص فوق هذا الفراغ الهائل الذي خلفته “المقاومة”، برعاية رئيسي الجمهورية والحكومة. والرجل، إذ ذهب في هذياناته بعيداً، لم يفعل ذلك لأنه فرعون الجمهورية، إنما لأن ثمة من يشيح بوجهه الأصفر المبتسم عن هذا الابتذال ويقول في نفسه: “دعه يشعر بأنه الفرعون طالما أنه أمن لنا المسيحيين”.

لكن المذهل أكثر هو أن وزيرنا الكبير، مكتشف حقيقة انسجامنا الجيني، هو سليل شعور لبناني حقيقي بالتفوق على رغم كل هذا الفشل الذي يحاصر لبنان. نحن متفوقون على رغم أننا فاسدون. ونحن متفوقون على رغم أننا مرتهنون. ونحن متفوقون على رغم المذهبية التي تنخر عظامنا. نحن انتصرنا على رغم الهزيمة الكبرى التي نتخبط بها. نحن نريد طرد اللاجئين على رغم أننا سرقنا المساعدات الدولية التي تصلهم عبرنا.

معاودة قراءة تغريدة الوزير ضرورية، وترجمتها إلى كل لغات العالم ضرورية أيضاً. سيمثل ذلك صرخة واستدراجاً لشفقة لم نعد نملك لنجاتنا من ذكاء الوزير الكبير غيرها.

 أليس مذهلاً أن يصمت سعد الحريري على كلام وزير خارجيته، على رغم أن التفوق الجيني الذي رصده رئيس الديبلوماسية اللبنانية قد يشمل تفوقاً على الحريري نفسه؟ أما “حزب الله”، فلصمته على حليفه دلالات أخرى، ذاك أنه امتداد لتقية مُراوغة، تدرك تماماً خواء خطاب التفوق هذا، لكنها لا تمانع من تفشيه طالما أنه موظف في مصلحتها، ولا يهدد تعاظم نفوذها.