Advertise here

"حرب الجنرالين" في السودان: مقدمات نزاع خطر ومدمّر!

21 نيسان 2023 07:14:34

لا توحي الأنباء الواردة من السودان بأن ثمّة تسويات سياسيّة جدّية تلوح في الأفق، وقد سقط في أيام معدودة من الاشتباكات التي تدور بين الجيش السوداني النظامي وبين قوات الدعم السريع ما يزيد عن 270 قتيلاً. والمعارك تدور على الأرض السودانيّة الشاسعة كلها تقريباً.

بالنسبة لبعض المراقبين، السقوط في المحظور ليس مفاجئاً، ذلك أن التوتر السياسي بين الجنرالين كان يتصاعد بصورة مضطردة خلال الأشهر المنصرمة، وصار كل منهما يركز مواقع نفوذه في السياسة والأمن والدفاع. وأخذت هذه الخطوات المتلاحقة أبعاداً تصاعديّة بعد تعثر العمليّة السياسيّة في السودان بحيث أخرجت القوى المدنيّة من الحكم وتولى المجلس العسكري الحكم.

لم تفلح الضغوط السياسيّة الدوليّة والمطالبات المتكررة من المجتمع الدولي بإعادة تفعيل الحياة السياسيّة والدستوريّة من خلال حكومة مدنيّة تملك صلاحيّة تنشيط المؤسسات و»ضبط» القوّة العسكريّة التي تملك نفوذاً واسعاً بين جدران الثكنات. طبعاً، كانت هذه التطلعات مجرّد أمنيات غير قابلة للتحقيق، ذلك أن إمساك القوات المسلحة بزمام السلطة لم يكن رحلة محدودة بالزمن.

إن معرفة آليّات عمل أنظمة العسكريتاريا من خلال قراءة التجارب التاريخيّة، خصوصاً في المنطقة العربيّة، تؤكد بما لا يقبل الشك، أن التخلي الطوعي عن الحكم ليس وارداً. لم يحصل ذلك تقريباً في أي دولة. غالباً ما تنتهي الأمور بانقلاب أو ثورة أو حرب أهليّة تقضي على البلاد، قبل أن تتغيّر المعادلات السياسيّة أو تتبدّل مراكز نفوذ القوى.

لعله من المبكر الاستنتاج بأن السودان قد انزلق إلى حرب أهليّة رغم أن الطرفين المتنازعين هما من قلب السودان، ولكن صفتهما العسكريّة تجعل من طابع النزاع يأخذ منحنيات مختلفة أقله في المرحلة الأولى التي إذا استطالت، وهذا المرجح، ستتحول دون شك إلى نزاع أهلي يسير بخط مواز إلى جانب النزاع العسكري.
ليس من السهل توقع بناء تجربة تعايش ناجحة بين تنظيمين عسكريين يملك كل منهما قوة ونفوذاً يمتدان على مساحة الجغرافيا السودانيّة، وأكثر من ذلك، يملك كل منهما رؤية سياسيّة مختلفة للوضع السياسي الداخلي وللعلاقات الخارجيّة مع دول الاقليم والعالم بما يضاعف من التعقيدات الداخليّة التي تتراكم لتنفجر في نزاع عسكري دامٍ كما حصل في السودان.

لم تكن السنوات المنصرمة سهلة على السودان من أحداث دارفور والتورط المريب في إرتكاب المجازر إلى التقسيم مروراً بالتطبيع مع إسرائيل وصولاً إلى إندلاع النزاع العسكري الداخلي بين الجيش وقوات الدعم السريع. يُضاف إليها طبعاً الثورة التي أطاحت بالرئيس السابق عمر البشير، المطلوب للعدالة الدوليّة، وتعثر العمليّة الديموقراطيّة بعد إسقاطه واعتقاله، وهذه هي الحال تقريباً في معظم الدول العربيّة التي شهدت ثورات في إطار ما اصطلح على تسميته «الربيع العربي» ولم تصل إلى النتيجة المرجوة والتغيير الحقيقي.

بمعزل عن الاتجاهات المستقبليّة للنزاع السوداني العسكري - العسكري، والذي لا يبدو أنه سيضع أوزاره في وقت قريب، لا شك أن تجاوز ما حدث لن يكون سهلاً وأن ترسية مواقع النفوذ والقوى وفق خارطة جديدة لن تتحقق من دون تكبّد المزيد من الخسائر الكبيرة في البشر والحجر، وهو ما سيضع السودان أمام الكثير من المخاطر التي تخرج فيها البلاد عن السيطرة تماماً.

السودان بلد عربي جديد يدخل في منزلق خطر، وتداعياته الخطرة قد تطال الدول المجاورة، لا سيّما مصر وليبيا وأثيوبيا ولو بأشكال ونتائج مختلفة.