Advertise here

الحروب مستمرة والشعوب تدفع الأثمان!

19 نيسان 2023 07:33:03

كشفت تقارير غربيّة عن حجم الإنفاق العسكري من الدول الغربيّة لدعم أوكرانيا في العام 2022، وقد ناهز مجموعها 10،6 مليارات دولار، وهو مبلغ كبير يشي بأنّ الحرب التي بدأتها موسكو في اتجاه معيّن سلكت منعطفات خطيرة لن يسلم منها العالم من دون تسوية سياسيّة وسلميّة لهذا النزاع الدامي والمدمر. 

لم يكن أحد يتوقع أن يكون شن الحرب نزهة تنتهي في غضون أيّام وأسابيع قليلة، وإذا كان ثمّة من يجري قراءة سياسيّة أو عسكريّة من هذا النوع، فأغلب الظن أنّه لا يدرك عمق موازين القوى «وقوانين» اللعبة الدوليّة والحسابات المصلحيّة المتقاطعة بين الدول. 

وفي الأرقام أنّ الدعم العسكري في العام 2022 توزّع على الشكل التالي: الولايات المتحدة (2،7 مليار دولار)، بريطانيا (3،7 مليار دولار)، بولندا (1،8 مليار دولار)، ألمانيا (1،2 مليار دولار)، كندا (900 مليون دولار) والنرويج (300 مليون دولار). 

وغنيٌ عن القول إنّ ثمّة مساعدات أخرى تدفقت إلى أوكرانيا لدعم صمود كييف والحيلولة دون سقوطها في أيدي الروس لأنّ ذلك سيولّد مضاعفات هائلة على المستويين السياسي والعسكري وسيعيد خلط الأوراق في أوروبا بشكل كبير، وسيطرح تساؤلات جوهريّة حول دور حلف شمال الأطلسي وقدراته الردعيّة والدفاعيّة التي تشكّل أحد أبرز وظائفه وأهدافه.

لقد استعاد الحلف الكثير من «حيويته» التي كان يتمتّع بها أثناء حقبة الحرب الباردة في مواجهة حلف وارسو الذي تلاشى مع سقوط الإتحاد السوفياتي مطلع التسعينات، ولعل توسعه التدريجي لضم عدد من الجمهوريّات السوفياتيّة السابقة حوّل أحد أبرز أسباب شعور موسكو بالاستفزاز والقلق. 

كما ساهمت هذه «الحيويّة» المتجددة في إسقاط شبه تام لفكرة فرنسيّة وُلدت ميتة تقريباً المتعلقة بإنشاء «جيش أوروبي»، وهي لم تلقَ حماسة ألمانيّة ولم تُسجّل أية اندفاعة إيطاليّة أو إسبانيّة تُذكر في هذا المجال. ورغم الإلحاح الفرنسي وتكرار المقترح من قبل الرئيس إيمانويل ماكرون في العديد من المناسبات خصوصاً بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، لا تزال الفكرة بعيدة المنال.

إنهّا من الأفكار التي تتوسلها باريس بهدف إعادة إحياء دور مفقود في قيادة أوروبا، يرمي بشكل أساسي لتثبيت الهويّة الأوروبيّة التي تعرّضت لانتكاسات عميقة ومتتالية بدأت مع الخروج البريطاني من الاتحاد في خطوة تاريخيّة لا تزال مفاعيلها ماثلة لغاية اليوم، مروراً بصعود اليمين المتطرف الذي تُشكك شرائح واسعة منه بجدوى استمرار الاتحاد كصيغة وحدويّة وهي تغلّب الخطاب القومي وتضعه في مرتبة أكثر إرتفاعاً، وصولاً إلى استمرار الهيمنة الأميركيّة على بقع نفوذ متعددة في القارة.

وبالحديث عن الدور الأميركي، صحيحٌ أنّ واشنطن تقول إنّها تقود معركة الدفاع عن «العالم الحر» في مواجهة التمدد الروسي، إلا أنها أكثر قلقاً من توسع الدور الصيني ووصوله في الآونة الأخيرة إلى منطقة الشرق الأوسط الذي قلّما كانت تتدخل فيها بكين بشكل مباشر من خلال إبرام التفاهم السعودي- الإيراني الذي أحدث تحولاً كبيراً في المنطقة وأعاد خلط الأوراق بشكل كبير بعيداً عن أي دور أو مساهمة لواشنطن. 

في نهاية المطاف، طالما يجري القتال في أوكرانيا، بعيداً عن الأرض الأميركيّة، تستطيع واشنطن أن تواصل سياسة «الدعم عن بعد» لأوروبا وأوكرانيا وتضغط عسكريّاً وسياسيّاً بما يحول دون سقوط كييف، ولكن ليس بالضرورة لإنهاء الحرب التي تنهك موسكو في جميع الأحوال وتستنزفها، وذلك يتيح لها أن تتفرّغ لمواجهة التنين الصيني.

خلاصة الأمر أنّ المعادلة ثابتة: الشعوب تدفع الأثمان الباهظة ومصانع السلاح تستفيد مع شبكة المصالح العابرة للحدود التي توفر لها الحماية السياسيّة!