10 نيسان 1973، منذ خمسين عاماً نفّذت قوات الإرهاب الاسرائيلي عملية كوماندوس في بيروت – فردان . سمّيت عملية فردان . قادها إيهودا باراك الذي أصبح لاحقاً رئيس حكومة ، وانتهت باغتيال القادة : كمال ناصر ، كمال عدوان ، وأبو يوسف النجار . ثلاثة من أبرز رموز الثورة الفلسطينية . اختراق كبير للثورة ولبنان في قلب العاصمة بيروت . إنجاز من إنجازات " الموساد " الاسرائيلي . لم تكن عملية الاغتيال الأولى أو الأخيرة . الصراع لا يزال مستمراً ومعظم قادة الشعب الفلسطيني منذ قيام دولة الإغتصاب والإرهاب شهداء أو مصابون في معارك والصراع لا يزال مفتوحاً . لم تتمكن هذه الدولة من كسر إرادة شعب الجبّارين والمرابطين في المقدسات ، وعلى كل أرض فلسطين ، بل هي تعاني وتواجــه خطر التفكك والانقســـام والشرذمة وفقدان السيطرة . كلما هربت الى الأمام في اعتداءاتهــا وإرهابها واغتيالاتهـــا الفردية والجماعية ، وكراهيتها ، وعنصريتها ، وجموح توسّعها ، ومحاولات إذلالها أصحاب الأرض الأصليين ، وانتهاكها حرمات المقدسات في الأقصى والكنائس والمساجد في كل مكان ، كلّما واجهت مزيداً من التمسّك بالحق ، وبإرادة الحياة والموت . الاستشـــهاد فـــي فلسطين . تعاني صراع إرادات وإدارات في داخلها ، ولا تتمكن من فرض مشروعها. سقطت كل محاولاتها . ها هم الفلسطينيون في الأيام الأخيرة يشدّون الطوق عليها . يحاصرونها بعمليات من غور الأردن – المفاجأة الكبرى لها – الى الأرض المقدسة في القدس ، وفي عدد من المدن الأخرى . نعم اسرائيل تنتهك الأقصى ، تستهدف المعتكفين والمصلين ، وهم يقاومون ، وتطاردها عملياتهم النوعية الموجعة ليزيدوا الى الطوق الداخلي طوقاً آخر . في الداخل ، انقسامات ، صراعات ، حديث واضح وصريح وعلني عن خطر الحرب الأهلية . رغم كل ما جرى لم يتوقف الاسرائيليون عن التحرّك ضد حكومة الإرهاب . عشرات الآلاف اسبوعياً يتظاهرون محذرين من خطر العنصرية والتطرف على مستقبل الدولة وعلى السلام في المنطقة ، وإرادة الفلسطينيين خلقت معادلات في الداخل والخارج حيث نشهد تحولات ليست لمصلحة اسرائيل ، بل هي صادمة لها ولأميركا . و" الموساد " الاسرائيلي متهم بالوثائق الأميركية المسرّبة من البنتاغون والتي تتضمن معلومات عن الحرب في أوكرانيا ، وعن الوضع الأوكراني ، والقوات الروسية ، وكوريا الجنوبية ، وفرنسا ، وحلفاء آخرين لقائدة الناتو ، وعن اسرائيل ، الموساد متّهم بتحريض المتظاهرين في الداخل على تصعيد خطواتهم ضد الحكومة . ثمة بلبلة وإرباك لم نشهد لهما مثيلاً من قبل دون أي مبالغة . وثمة إرادة ثابتة تتظهّر كل يوم في فلسطين وفي العالمين الاسلامي والعربي والعالم كله ، فلسطين للفلسطينيين . من حقهم العيش بكرامة وحرية . نعم لدولة فلسطينية مستقلة . في الأيام الماضية سجلت مظاهرات وهتافات في ملاعب كرة قدم عربية ودولية تردّد هذه الشعارات . ومعظم المواقف الدولية تدين ممارسات الإرهاب الاسرائيلي . حتى ردّ قوات الإرهاب على غزة والعمليات التي نفذت كان " هزيلاً " على حد تعبير قادة اسرائيليين إرهابيين أيضاً . رغم كل ما أصاب المنطقة العربية ، واختراق عدد من دولها " باتفاقات ابراهام " وتوهّم قادة الإرهاب أنهم باتوا قاب قوسين من التفاهم الكامل مع العرب وتطويق الفلسطينيين وفرض شروطهم عليهم ، فالوقائع الميدانية التي نعيشها تؤكد استحالة ذلك أمام إصرار هؤلاء على التمسّك بأرضهم وحقهم وجهادهم ونضالهم وتقديم قادتهم ورموزهم شهداء وتخريجهم أجيالاً من الشباب فاجأت عملياتهم الإرهابيين الاسرائيليين . اسرائيل اليوم في متاهة دون مبالغة . لكن الطريق لا يزال طويلاً ويجب أن يُبنى على مسيرة النضال والتضحية مشروع وطني فلسطيني موحّد يعزّز عناصر المواجهة ويفرض معادلة الحل العادل باقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس .
- 10 نيسان 1983 " البوفيرا " – البرتغال – كنت مع الزعيم الوطني وليد جنبلاط للمشاركة في مؤتمر الاشتراكية الدولية حيث كان من المفترض أن ينتخب وليد بك في نهايته نائباً لرئيس هذه المنظمة المهمة . كان الطبيب الفلسطيني عصام السرطاوي يمثل منظمة التحرير بصفة مراقب بعد صراع دام سنوات لفرض هذه الصفة . صباح انعقاد الجلسة طلب إليّ وليد بك أن أنهي معاملات الفندق وألاقيه في سيارة آخرى غير التي استقلها الى قاعة المؤتمر الذي يعقد في مكان آخر . أنجزت الأمر وإذا بالدكتور السرطاوي في بهو الفندق يناديني : " حبيبي غازي . اين وليد " ؟؟ قلت : " سبقني للمشاركة في بعض الاتصالات قبل الانتخابات ". قـــال : " نذهب معـــاً ". قـــلت : " يشرّفني ". انطلقنا الى الفندق وفور دخولنا الى بهوه وأنا أتحدث إليه وجهاً الى وجه سمعت " أزّة " رصاص حول أذني اليسرى مباشرة . التفت الى الوراء فرأيت شخصاً يهرب بسرعة . التفت الى الأمام وجدت عصام على الأرض مصاباً بطلقتين واحدة في القلب وأخرى فوق العين . ركض إليه السيد ليساريدس وكان رئيس الحزب الاشتراكي القبرصي وأصبح لاحقاً رئيس الجمهورية موجوداً وهو طبيب أصيب إصابة طفيفة ، كشف على السرطاوي وقال لـــي : " مات عصام ". كما أصيب سفير تنزانيا آنذاك . هرعت الى قاعة المؤتمر وهمست في أذن وليد بك : " قتلوا عصام " . قال : " ماذا ؟؟ من ؟؟ " قلت : " عصام " . قال : " أين " . قلت "هنا في البهو وحصل كذا وكذا ". ضرب كفّه على الطاولة وقال فوراً : " فعلها أبو نضال " . وكان ثمة عمليات اغتيال حصلت لقادة فلسطينيين تمّت على أيد فلسطينية للأسف وفي سياق تصفية حسابات وخدمت الاسرائيلي بالتأكيد . جانين ربيز مفوضة الشؤون الخارجية في الحزب كانت موجودة الى جانب وليد بك قالت : " أرجـــوك لا تقل ذلك الآن . دعنــــا نعرف ماذا جرى " . حصلت بلبلة . أخذ الاجتماع منحى آخر " وتمسكن " شيمون بيريز الذي كان يشارك في المؤتمر وكاد يبكي وهو يتحدث عن السرطاوي وعن " السلام " !! ثم تحدث آخرون قالوا في الرجل كلمات يستحقها لكن الكلمة الأبرز والأقوى التي فاجأت كثيرين كانت كلمة وليد جنبلاط . تحدث عن السرطاوي انطلاقاً من قناعته والتزامه بالقضية الفلسطينية ، قضية حق ، ومن الموقف التاريخي الذي صاغه المعلم الشهيد كمال جنبلاط في نظرته لاسرائيل دولة إغتصاب وإرهاب محملاً إياها مسؤولية عدم الاستقرار في المنطقة مؤكداً استحالة تثبيته دون حل عادل للقضية الفلسطينية ، داعياً الاشتراكية الدولية الى لعب دورها في هذا المجال .
في الختام ، تمّ إخلاء القاعة وتأمين سفر الضيوف ومن بينهم وليد بك الذي حظي باجراءات أمنية مشدّدة لضمان سلامته في الانتقال الى المطار ومنه الى فرنسا التي اتخذت إجراءات لاستقباله وتأمين حمايته أثناء إقامته فيها ، بعد أن أغلقت السلطات البرتغالية المرافئ والحدود والمطارات في محاولة الوصول الى القاتل ومنع فراره .
أستذكر هذه المحطات للتأكيد : اسرائيل اليوم في مأزق . في أزمة حقيقية يصفها بعض أركانها بالأزمة الوجودية دون مبالغة العيش في سراب تحليلات التمنيات . اسرائيل في أزمة . لكن ذلك يستوجب عملاً فلسطينياً موحداً بالدرجة الأولى ، وموقفاً عربياً انطلاقاً من الحديث عن العروبة " والحضن العربي " والعودة اليه ، الذي نسمعه هنا وهناك والمقياس الأساس في الانتماء الى العروبة وحضنها هو احتضان القضية الفلسطينية التي هي قضية إنسانية وأخلاقية وقانونية وهذا يفرض وجود موقف أممي من الأمم المتحدة الى آخر دولة تتحدث عن حقوق إنسان ينظر الى ما يجري في الداخل الفلسطيني ويضع حداً للاستباحة الاسرائيلية . وأياً تكن الظروف : الثابت هو الإرادة الفلسطينية . ونشهد في 10 نيسان الحالي ملامح تغييرات في المعادلات الدولية في وجه الأحادية الأميركية.