بعيداً عن تعقيدات الملف الرئاسي وتداعياته على صعيد استمرار حالة النزف والانهيار التي يعيشها الوطن والمواطن على كل المستويات، تتجه الأنظار نحو أهمية اعلان الحكومة التزام اجراء استحقاق الانتخابات البلدية والاختيارية في موعدها الدستوري في أيار المقبل.
ولا خلاف في أن اجراء الانتخابات يبقى افضل بكثير من تأجيل هذا الاستحقاق لأسباب واهية تتحكم فيها الخلفيات والحسابات السياسية لبعض القوى المأزومة شعبياً بسبب ممارساتها الخاطئة وعبثية خياراتها التي كانت ولا تزال تفاقم من حدة الازمة التي يعاني منها الشعب اللبناني.
فالتزام الحكومة بإجراء هذه الانتخابات من دون الخضوع لكل العراقيل الهادفة لتطييرها، سيشكل خطوة بارزة معنوية ودستورية وديمقراطية لناحية إن لبنان وبالرغم من كل أزماته وظروفه المعقدة لا يزال قادرا على اختراق كل الصعوبات الهائلة عبر انجاز الانتخابات البلدية والاختيارية والتي تشمل حوالى 1055 بلدية، وأكثر من 2358 مختاراً.
إلى ذلك وكما كان مرتقباً، أعلن وزير الداخلية في حكومة تصريف الاعمال القاضي بسام مولوي "أن وزارة الداخلية جاهزة للقيام بالانتخابات البلدية والاختيارية". وقال: "نحن على جهوزية ادارية، والقوائم الانتخابية حاضرة، وقد طلبنا من الحكومة تأمين الاعتمادات اللازمة".
وعن تكلفة الانتخابات، قال مولوي: "تؤمنها الدولة وبعض المال أتى من الـUNDP والباقي يجب على الدولة تأمينه حتى من حقوق السحب الخاصة SDR من صندوق النقد الدولي". وحدد "اجراء الانتخابات على النحو الآتي: 7 أيار الشمال وعكار، و14 أيار في جبل لبنان، و21 أيار في بيروت والبقاع وبعلبك -الهرمل، و28 ايار في الجنوب والنبطية".
بالمقابل، لا يزال يتردد في الكواليس السياسية بأن هناك قوى أساسية ونافذة تسعى بكل قوة إلى تأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية عبر أفخاخ عدة أبرزها حجة رفض المس بحقوق السحب الخاصة SDR.
وبحسب المعلومات فإن بعض المسؤولين في الدولة اللبنانية يقولون في الكواليس عكس ما يعلنون عنه أمام وسائل الاعلام، بحيث أن هؤلاء المسؤولين يرددون أمام المقربين منهم بأن هناك صعوبات كبيرة تحول دون امكانية تغطية أكلاف الانتخابات البلدية والاختيارية عن طريق هذه الحقوق، وبالتالي ان ما يقوله هؤلاء المسؤولين عن ضرورة اجراء الانتخابات يأتي في سياق التنصل من مسؤولية تأجيل الانتخابات امام الرأي العام وأمام المجتمع الدولي الذي يراقب ويشدد على ضرورة اجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في مواعيدها المحددة بموجب القوانين المرعية.
وفي هذا الاطار، وضعت مصادر متابعة محاولات تطيير الانتخابات البلدية والاختيارية ضمن خانة الحسابات السياسية وما ذريعة العجز عن توفير الأموال الا وسيلة لتحقيق هذه الغاية، خصوصا ان الحكومة تصرف من أموال حقوق السحب الخاصة SDR منذ حوالي السنة من دون العودة إلى مجلس النواب، وقد بلغت الأموال التي جرى صرفها من حقوق السحب الخاصة حتى الآن حوالي الـ740 مليون دولار من أصل قرابة الـ1100 مليون دولار.
المصادر أشارت اذا ما توفرت الارادة السياسية فيمكن للحكومة كما قامت بالصرف من حقوق السحب الخاصة من أجل الكهرباء والدواء وجوازات السفر والطحين سحب المبالغ المتوجبة من أجل إجراء الإنتخابات البلدية التي توازي نحو 8 ملايين دولار، وهو مبلغ لا يجوز التذرع به لتطيير الانتخابات البلدية والاختيارية لحسابات آنية وضيقة باتت مكشوفة ومفضوحة امام الجميع.
وبعيداً عن الموجبات القانونية ومقتضيات الديمقراطية والمصلحة العامة التي تحتم ضرورة انجاز الانتخابات البلدية والاختيارية في الموعد المحدد بموجب القانون، فإن المسؤولية الكبرى في هذا الاستحقاق الحيوي والمرتبطة بإنماء القرى وتحقيق المصلحة العامة ورعاية شؤون وشجون الناس اليومية، تقع بالدرجة الأولى على الناس الذين سينتخبون اعضاء ورؤساء البلديات والمخاتير، فهم إما أن يختاروا "صح" على قاعدة الكفاءة والقدرة والخبرة، وإما يختارون على اساس العصبيات العائلية والفئوية الضيقة التي توصل أشخاص فاشلين وعاجزين وربما فاسدين لا يصلحون لتولي إدارة الشأن العام، وعندها تكون الخيبة الكبيرة في الانتخابات البلدية والاختيارية بدل من أن تكون فرصة متاحة لوضع القرى والمدن اللبنانية على خط التنمية المستدامة التي تضع مصلحة الناس وحقهم المشروع في الانماء والتطور فوق كل اعتبار.