Advertise here

النقابة تُدَولِر رسومها: "الله يساعد المحامي... والموكّل"

06 نيسان 2023 07:38:41

وتيرة الأحداث داخل نقابة المحامين في بيروت تتسارع. قَبْل أيام جاء قرار مَنْع المحامين من الظهور الإعلامي من دون إذن مسبق من النقيب. وهو ما ذهب البعض إلى توصيفه بقرار "كمّ الأفواه". وها هو منسوب الغليان يرتفع مجدّداً. السبب: رَفْع الرسوم وفَرْض تقاضيها حصراً بالـ"فريش" دولار. القرار الأخير جاء مفاجئاً وبِدون سابق إنذار في مرحلة يعاني فيها المحامون الأمرّين وإغلاق عدد كبير منهم لمكاتبهم. أما الأسئلة حول أولويّات النقابة فتتوالى: زيادة وضع المحامين إرباكاً أو مساعدة أبناء المهنة كي تستعيد عافيتها؟

الرسوم التي طاولها القرار تشمل رسم الانتساب ورسم الإفادة والبطاقة ومتابعة الدعوى كما رسم تسجيل الوكالة وغيرها. لكن النقابة كانت في الآونة الأخيرة مدافعاً شرساً ضدّ سلوك مسار الدولرة الشاملة في البلد. فما الذي تغيّر؟ عودة سريعة إلى الوراء، وتحديداً إلى تشرين الثاني الماضي حين جرى رَفْع رسوم إخراج القيد والسجل العدلي. يومها تقدّم النقيب السابق النائب ملحم خلف بِطَعنٍ أمام مجلس شورى الدولة على اعتبار أن ما يحصل هو استيفاء مَبالغ غير محقّة من المواطنين. فهل سنكون أمام طعنٍ جديدٍ على قاعدة أنه إذا كان على الدولة مراعاة شؤون الناس فعلى مجلس النقابة مراعاة حال المتقاضين والمحامين بِدَوره؟ المعارضون للقرار كثرٌ، لكن للنقابة وجهة نظرها. نستشفّ الرأي والرأي الآخر. 

كيف نعيش؟

نسأل بداية عضو مجلس النقابة، المحامية مايا الزغريني، التي شدّدت في حديثها لـ"نداء الوطن" على أن قرار رَفْع الرسوم هو لمصلحة المحامي ولمساعدته. كيف ذلك؟ "سوف تُقسَّم الرسوم على صندوق التقاعد وصندوق النقابة والصناديق الأخرى بعد أن يتمّ تحصيلها. والجميع يعلم أن المبلغ الذي يتقاضاه المتقاعد (ألف دولار سابقاً) فَقَدَ قيمته كلياً بعد انهيار قيمة الليرة. فإن لم نرفع الرسوم، كيف سنتمكّن من رَفْع راتب التقاعد الذي سيستفيد منه المحامون جميعاً من دون استثناء؟". من جهة أخرى، أشارت الزغريني إلى أن الدفع بواسطة الشيكات متوقّف كلياً، وبالتالي الحلّ الوحيد يتمثّل بتسديد الرواتب بالدولار الـ"فريش" ما يستدعي تأمين إيرادات بالـ"فريش" أيضاً. وعرّجت في هذا السياق على رواتب موظّفي النقابة التي أصبحت غير مقبولة والتي لا يمكن رَفْعها طالما أن رسم الوكالة مثلاً هو أربعمائة ألف ليرة فقط لا غير.

أما عن السبب الكامن خلف تقاضي الرسوم حصراً بالدولار الطازج، أجابت الزغريني أنه يتعذّر على مجلس النقابة أَخْذ قرارٍ بتصريف الدولار طالما أن الأخير ما زال غير ثابت، ما سيجعل الميزانية غير متطابقة، لا بل غير صحيحة. من هنا، بحسب رأيها، كان قرار تحويل كافة المداخيل كما كافة المصاريف والرواتب إلى الدولار. القرار وفق البعض سيضع المحامي في مواجهة مع موكّله. لكن من وجهة نظر الزغريني فهو سيسهّل، على عكس ما يقال، عمل المحامي لأنه سيتيح له تبرير تقاضي أتعابه بالدولار بناء على قرار نقابته. "المهندس مثلاً يتقاضى أتعابه بالدولار شأنه شأن الطبيب. فنحن كيف نعيش؟ ولِمَ لَم تَقُم القيامة على شركات التأمين والمستشفيات وتسعير الأدوية كما قامت علينا؟". هو تساؤل مرفق بِتَمنّ على الزملاء الاطلاع على خلفيات القرار وعلى مشاكل النقابة قبل القيام بأي ردّ فعل. وختمت مؤكّدة أن النقابة لم تتّخذ القرار إلا بعد فشل المساعي المرتبطة باسترداد أموالها العالقة في المصارف. 

حلّ غير كافٍ؟

النقيب السابق للمحامين في بيروت، المحامي بطرس ضومط، لفت من جهته في دردشة مع "نداء الوطن" إلى ضرورة احترام قرارات النقابة والالتزام بها. لكن هذا لا ينفي واجب حصول نقاش ضمن البيت الداخلي لما فيه مصلحة النقابة والمحامي، من ناحية، وضمان الحريات والقانون، من ناحية أخرى. ويكمل: "ليست النقابة جزيرة معزولة بل هي جزء من هذا المجتمع ومن مؤسّساته التي لم يسلم أي منها جرّاء الأزمة الاقتصادية وتدهور العملة. عصر النفقات أمرٌ لا بدّ منه أوّلاً كما حصرها في إطار الحدّ الأدنى تأميناً للاستمرارية في هذه المرحلة الصعبة". ضومط تطرّق هو الآخر إلى احتجاز أموال النقابة بعشرات ملايين الدولارات داخل المصارف في وقت فقدت فيه الرسوم التي يسدّدها المحامون قيمتها، ما جعل النقابة غير قادرة على تغطية النفقات. 

لا جدال في ذلك. والمهنة تمرّ بأكثر مراحلها كارثية كما يأتي على لسان الأغلبية الساحقة من المحامين. فالإضرابات المتتالية- قضاة ومحامون وموظفّون- عطّلت أكثر ما عطّلت عجلة عمل المحامين. بحسب ضومط، تُعتبر الزيادة على الرسوم بشكلها الحالي غير مقبولة إذ كان من الأفضل أن تتمّ بصورة تدريجية مع الإبقاء على حق المحامي اختيار التسديد بالدولار أو ما يساوي قيمة الرسم بالليرة. ويستطرد: "هذا حق قانوني ووطني لا يمكن التغاضي عنه. لكن النقابة، للأسف، لجأت إلى أسهل الحلول وأسرعها رغم أنني أجزم بأن عليها البحث عن مصادر تمويل أخرى في المستقبل. فحين يتوفّر شرطا النية والمبادرة لا بدّ من إيجاد السُبل. الرسوم وحدها لن تكون كافية لتغطية النفقات والله يساعد المحامي والموكّل... الشعب تِعِب والوضع مأسوي عالكلّ".