Advertise here

تأملات في ربيع لم يزهر.. انقلاب 8 آذار 1963 وتسلّق البعث! 3/2

03 نيسان 2023 16:45:39

 لماذا وبعد ستين عاماً نعود بعقارب الساعة إلى الوراء لهذا الانقلاب الذي شهدته دمشق في 8 آذار 1963؟ والجواب، لأنّ ما يحدث في سوريا الآن يربطه خيط  متين بهذا الحدث كونه أرسى دعائم مدرسة سياسية كارثية. ومن جهةٍ أخرى، لأنّ هذا الحدث أحيطَ بالكثير من الادعاءات. تاريخٌ زوّره من ظفر في السلطة، فتولى كتابته على هواه ونشرته الوسائل الصمّاء مثل "غوغل"، ولم ينجُ منه حتى باتريك سيل، للأسف، في كتابه "الأسد والصراع على الشرق الأوسط"، لأنّه وخلافاً لنهجه الموضوعي اكتفى بما رواه له الرئيس حافظ الأسد!! 

 هنا أسمح لنفسي للقول بأنّ أية رواية حول تلك الحقبة لا تتقاطع مع ما رأيت، أو سمعت، أو تقصّيت عنه فيما بعد من أصحابها بالذات، هي رواية غير دقيقة بأقل وصف، انطلاقاً من كوني عايشت ذلك الزمن.

 وإذا كان سنّي آنذاك لا يسمح لكي أكون شاهداً بكل ما للكلمة من معنى، إلّا أنّ ما علق في ذاكرتي حُفر عميقاً في وجداني لكون بعضه لصيقاً بأسرتي، وكان هذا كافياً لكي أتتبّع كواليس الحكاية أصلاً وفصلاً، فسمعت ممن صنعوا أحداثها من صحبة والدي، الذي كان هو الآخر أحد المنخرطين في هذه المعمعة الوحدوية القومية، حتى كاد أن يخسر حياته في إحدى جولاتها في محاولةٍ لاستعادة الوحدة التي خطفتها القوى المتضررة منها، ثمّ غدا شاهداً فيما بعد على مناورات البعث أعقاب حركة آذار المذكورة من خلال موقعه قريباً من الرئيس عبد الناصر بوصفه، "سكرتير الرئاسة للشؤون الصحفية، وقد جاء انتقاله يومها لمصر لينجو من حكم  بالإعدام لدوره في "ثورة حلب" ضد "نظام الانفصال، نيسان 1962.

 انقلاب آذار
       
 لم يكن بعثياً هذا الانقلاب الذي شهدته دمشق صباح يوم الجمعة، 8 آذار، من عام 1963، وقد جاء نتيجة تقاطع تيارين،  أوّلهما على رأسه العقيد زياد الحريري، آمر جبهة الجولان آنذاك، وهو غير بعثي وكان  طامحاً في سريرته ليكون حاكم سوريا الأقوى وحوله بعض الأنصار من الضباط. والتيار الثاني ناصري، على رأسه العقيد راشد قطيني، رئيس مخابرات الجبهة آنذاك، والعقيد محمد الصوفي قائد اللواء المدرّع الخامس في حمص، وكان طامحاً إلى عودة الوحدة بقيادة جمال عبد الناصر. هذا التيار كان الأوزن والأقوى، ويدعمه تيار شعبي يشكّل نسبةً كبيرةً جداً من الشعب السوري.

  أمّا ما يروَّج له عن دور "اللجنة العسكرية" للبعث في انقلاب آذار فذلك محض افتراء، إذ أنّ مكوّنها من "الثلاثي العلوي" كان خارج القوات المسلحة، ومسرّحين في خريف عام 1961. كان محمد عمران مسجوناً وأُفرج عنه صبيحة الانقلاب، والاثنين الآخرين مفروزَين لوظائف مدنية؛ صلاح جديد لوزارة التموين، وحافظ الأسد إلى وزارة المواصلات-قطاع النقل البحري. إنّما أسباب استبعاد نظام الانفصال لهذا الثلاثي فسوف نتركه للجزء الثالث من هذا المقال(3/3).

 البعثي الوحيد في الانقلاب، النقيب سليم حاطوم، من ضمن القوات التي تحركت من الجولان للسيطرة على العاصمة. وكان حاطوم قد سبق إبعاده عن  فوج المغاوير من قادة الانفصال ليشغل موقعاً ثانوياً - المقاومة الشعبية في القنيطرة-  لكنّ قيادة الانقلاب أعادته للفوج المذكور بعد اعتقال قائده من قبلها عشية تحركها، وأنيطَ به السيطرة على مبنيَي الإذاعة والتلفزيون والأركان المجاور. وبذا صار حاطوم بحكم موقعه الحسّاس رأس الجسر الذي عبر منه الحزب للاستـئثار بالسلطة  وعلى رأسهم 'الثلاثي العلوي" السالف ذكرهم،  ومن سخرية القدر أنّ حاطوم فيما بعد لقي مصيره الأسود على يدهم في معمعان الصراع على النفوذ وعلى السلطة داخل البعث! إنّما يكاد المرء  يحار كيف استطاع البعث أن يتسلّل ويستلم السلطة منحياً الآخرين، وكيف قطع كل المراحل من تأييده للوحدة السورية المصرية 1958، ثم مؤيداً لانفصالها في أيلول1961، ثم تائباً نادماً، منقلباً على الانفصال وصولاً للتسلق على انقلاب آذار المذكور، وثمّ منه الانقلاب على الناصريين (رفاق الأمس).. هذ الرحلة المكيافيلية تحتاج إلى وقفة منفصلة، وهي موضوع الحلقة الثالثة من هذا المقال "البعث يرفع المصاحف" ،نسبةً إلى خديعة معاوية بن أبي سفيان في معركة صفّين ضد الإمام علي بن ابي طالب.

                            

*الحلقة الثالثة والأخيرة: البعث يرفع المصاحف

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".