"المقايضة" الفرنسية أسيرة تمسك "حزب الله" بمرشحه... ضمانات فرنجية للسعودية لا تجعله رئيساً إنقاذياً!

03 نيسان 2023 07:15:00

سلك البحث في الشأن الرئاسي مساراً جديداً بعد زيارة سليمان فرنجية إلى باريس. وعلى وقع اللقاء مع المستشار في الرئاسة الفرنسية باتريك دوريل اكتسبت الزيارة أهمية، ليس في ما يتعلق بترشيح فرنجية، إنما بالوجهة التي ستسير بها الدبلوماسية الفرنسية حول الاستحقاق الرئاسي، وما إذا كانت ستواصل التمسك بمبدأ "المقايضة" واستمرار مبادرتها عبر البحث مع السعودية والولايات المتحدة الأميركية لإنجاز الاستحقاق عبرها كمدخل وحيد للانقاذ. النقطة المهمة أن الزيارة قد تكون آخر محاولات فرنجية على المستوى الدولي لوصوله إلى قصر بعبدا، فإذا لم تتمكن باريس من تسويق المقايضة بضماناتها لبنانياً وخارجياً، لن يتمكن مرشح الممانعة من خرق جدار الرفض لاسمه ما يفتح على احتمالات سياسية وأمنية لبنانية واستمرار الفراغ إلى أمد غير منظور.

داخلياً، لا تضيف زيارة فرنجية وتعهداته شيئاً على الاستعصاءات القائمة، لكنها بالنسبة إليه تشكل منعطفاً في ترشيحه للرئاسة، وان كانت لم تحسم معركته التي تحتاج إلى رافعة خارجية غير متوفرة في ظل الرفض الدولي والعربي لترشيحه. وهذا يعني وفق ما رشحت عنه الامور في باريس أن لا طرح نهائياً لاسم فرنجية ولا توافق على مرشح انقاذي آخر أو من خارج الاصطفافات في مقابل تمسك "الثنائي الشيعي" بفرنجية رغم الرفض المسيحي له. لكن زيارة فرنجية إلى فرنسا لم تكن لتحصل لو رُفض اسمه نهائياً، فهو يراهن على إمكان إحداث ثغرات وكسر الممانعة الدولية له كمرشح باسم محور المقاومة، وعلى هذا كانت غاية الزيارة تقديم ضمانات وتعهدات لطمأنة الدول الرافضة له وابرزها السعودية، متكئاً على إمكان أن يكون للاتفاق السعودي – الإيراني تداعيات لبنانية تصب في مصلحته، وأيضاً برعاية سورية يمكن أن تشكل حاضنة في ضوء عودة العلاقات السورية مع السعودية معطوفة على الانفتاح العربي اليها.

يمكن اعتبار أن زيارة فرنجية قد حققت هدفاً أولياً في طريق بعبدا، لكنها أيضاً قد تقطع طريقه إلى الرئاسة. ووفق مصدر سياسي متابع، أن اتاحة ماكرون لاجتماع فرنجية بدوريل يكتسب أهمية لكونه يشكل متابعة دقيقة من الرئيس الفرنسي للوضع اللبناني، لكن باريس استمعت إلى فرنجية بصفته أحد المسؤولين اللبنانيين ولا يعني ذلك تبنيه نهائياً للرئاسة. ويكشف المصدر السياسي معلومات أولية تفيد أن فرنجية قدم رؤيته للمرحلة المقبلة انطلاقاً من ضمانات يمكن أن تشكل اساساً لسياساته في حال تبنيه، معتبراً نفسه مرشحاً انقاذيا واصلاحياً لكن من وجهة نظر الممانعة وأن لديه تفويضاً من "حزب الله" للبحث في الاستراتيجية الدفاعية، وليس السلاح، وأنه الوحيد القادر على انتزاع تنازلات من الحزب، وكذلك يمكنه استثمار علاقاته مع النظام السوري لمعالجة ملف الحدود وعمليات التهريب التي تشكل مطلباً أساسياً للمجتمع الدولي.

في مسالة المقايضة التي تطرحها فرنسا، سرّبت معلومات عن أن فرنجية تعهد وفق المصدر بعدم تسمية رئيس للحكومة، تاركاً الامر لأن تقرر السعودية في هذا المجال، إضافة إلى عدم تدخله بالوزراء السنّة، بالطريقة التي كانت تحدث مع الرئيس السابق ميشال عون، إضافة إلى منع الثلث المعطل في الحكومة لأي طرف. لكن هذه التعهدات تطرح مشكلة الآليات الدستورية في عملية التشكيل، إذ يمكن لرئيس الجمهورية أن يتدخل في كل شيء، في حال حدثت تغيرات سياسية في البلد، وقد تتمكن كتل متفرقة في مجلس الوزراء من تشكيل أكثر من ثلث معطل وصولاً إلى دفع الحكومة نحو الاستقالة. 

وإذا كان لدى فرنسا اعتبارات وحسابات سياسية مختلفة في موضوع المقايضة، فإن الأمر لا يمكن ترجمته فعلياً، وهو شكل إحدى النقاط الاساسية الخلافية بين فرنسا والسعودية، إذ ان التعهدات بعدم التدخل بتشكيل الحكومة لا تصرف في الأمر الواقع، طالما ان تشكيل الحكومات في لبنان منذ اتفاق الدوحة في 2008 كان يتم عبر الثلث المعطل والضغوط وموازين القوى التي تفرضها قوى الامر الواقع.

وعلى الرغم من هذه الاعتبارات تفيد المعلومات أن باريس مستمرة بمبادرتها على قاعدة المقايضة، وهي ستحاول وفق المصدر السياسي تسويق الضمانات والتعهدات في الرياض وصولاً إلى طرحه على اجتماع دول باريس الخماسي المقبل، منطلقة من معادلة تقول أن لا مجال للاتفاق على رئيس بمواصفات حيادية أو من خارج الاصطفافات، إذ تراهن باريس أولاً على تغيير في المقاربة السعودية لتتمكن من تسويق وجهة نظرها والسير لاحقاً في تعزيز وجودها في لبنان والمنطقة، ليس سياسياً وحسب بل مالياً واستثمارياً واقتصادياً في مجالات مختلفة.  

حتى الآن لا يبدو أن فرنسا في صدد التراجع على رغم أن موقف السعودية لا يزال على حاله، لكن فرنسا مصرة على مبادرتها وهي ليست في وارد الانسحاب نظراً لما تعتبره مكاسب تحققت لبنانياً بعلاقتها مع "حزب الله". وهي تعتقد أن الاستمرار برفض فرنجية وعدم قبول المقايضة أو "التسوية بتكليف نواف سلام لرئاسة الحكومة، سيؤدي الى تعقيد الوضع الداخلي اللبناني، على رغم رفض الكتل المسيحية الأساسية لترشيحه. ووفق المصدرالسياسي ستطرح فرنسا على السعودية معادلة تقوم على أن فرنجية تعهد بتحقيق كل مطالب المملكة، وأن انتخابه يشكل ضمانة لعدم انجرار الوضع في البلاد إلى الفوضى والتوترات الأمنية وصولاً إلى الانفجار. 

المفارقة أن فرنسا سوّقت لترشيح فرنجية مستندة إلى تمسك "الثنائي الشيعي" به إلى النهاية، وكأنها أصبحت أسيرة معادلتها بالمقايضة. وبما أن السعودية تطرح مواصفات مختلفة للرئيس، فإن الوصول الى تسوية في هذا الشأن لا تزال صعبة، كما أن تنازل فرنسا عن مبادرتها سيرتب خسائر لا تستطيع أن تتحملها في مشاريعها. ويبدو أن الوضع الحالي مختلف بالنسبة إلى السعودية عن مرحلة 2016، عندما نأت بنفسها عن الملف الرئاسي وعن تسوية وصول ميشال عون للرئاسة وسعد الحريري لرئاسة الحكومة، فهي اليوم متمسكة بموقفها في الشأن الرئاسي وفي ملفات أخرى، على الرغم من أن البيئة السنية التي تستند إليها غير موحدة أو غير مؤثرة في المسار العام، وهي نقطة ضعفها الرئيسية. لكن فرنسا تراهن أيضاً على أن تتكرر المعادلة السابقة رئاسياً بالمقايضة نفسها وأن تتجاوب السعودية مع مبادرتها لرسم ملامح التسوية المقبلة. 

تدرك فرنسا ومعها "حزب الله" أن مشكلة فرنجية هي في البيئة المسيحية التي ترفضه قواها، وأن ترشيحه من "الثنائي الشيعي" يجعله مرشح من خارج الارادة المسيحية. لكن المسيحيين في المقابل غير قادرين على التوافق على اسم من خارج الاصطفافات وذلك في اطار الصراع المستحكم في ما بينهم. ذلك يدل على أن الاستحقاق الرئاسي بعيد من الانجاز، وما لم تظهر تطورات داخلية ودولية تؤشر إلى مسار جديد للحل أو التسوية، سيكون مشهد لبنان مأسوياً وينزلق إلى مزيد من الخراب.