Advertise here

من اقتناء السيارات إلى إدمان الماركات

29 آذار 2023 06:54:11

فشخ الصبيان في لعبهم أي كذبوا فيه وتضاربوا وفشخ فلانٌ فلاناً بمعنى صفعه ولطمه... هذا ما تورده القواميس حول معنى فعل «فشخ»، أما «"فشّخ»"فيعني أرخى مفاصله كما في عبارة"فشّخ" الرجل رجليه... إذاً لا شيء في اللغة يوازي معني "التفشيخ" باللبناني... هذه العادة المتأصلة التي استطاعت الصمود بعزم في وجه الأزمة ولم تتزعزع إلا يسيراً عند هواة التفشيخ وأربابه. فما سرها ولماذا يهوى اللبناني «التفشيخ» حتى وهو على "«..."».

من السيارات «المفيّمة» الى اللوحات المميزة من ثلاثة أو أربعة أرقام، الى فتح زجاجات الشامبانيا في السهرات ومد طاولات المأكولات البحرية وصولاً إلى عدم التجول أو التريّض بدون مرافقين أو من يشيلون حقيبة اليد وأكياس الشوبينغ... تتعدد اساليب التفشيخ لكن يبقى المبدأ واحداً: التباهي بما يملكه المرء (أو حتى بما لا يملكه) وحب الظهور. سياسيون، فنانون أو من عامة الشعب، ميسورون او «على قد حالهم» تتملكهم رغبة واحدة لا يستطيعون السيطرة عليها وهي الاستعراض أمام الناس. عقدة نفسية أم اجتماعية أم هي وليدة المجتمع اللبناني العاشق للمظاهر؟

رغم الأزمة

هل تتخيلون انه في بلد يكاد يقارب سعر صفيحة البنزين فيه مليوني ليرة لا يزال هناك أشخاص يفتشون عن أرقام مميزة لسياراتهم؟ فلطالما اشتهى اللبناني أن يتميز كرقم ولو على لوحة سيارته لذلك سعى وزراء الداخلية في العقود الأخيرة إلى توزيع الأرقام المميزة على المحسوبين عليهم كهدايا شكر وولاء، وعملوا على قوننة عملية توزيع اللوحات المميزة والرسوم المفروضة عليها. سعر اللوحة المميزة كان قبل جنون الانهيار وتضارب الأرقام يتراوح ما بين 3،5 ملايين و 27 مليون ليرة ورسمها ما بين 150 الى 450 الف ليرة. فيما ترتفع اسعار اللوحات المؤلفة من 3 ارقام لتصل الى 45 مليون ليرة كحد اقصى. ويرتفع رسمها الى 750 الفاً. وكلما زاد تميّز الأرقام وتسلسلها زاد سعرها ورسومها. حتى أن بعض الأرقام المميزة المتسلسلة مثل 300 أو 3000 أو 300000 كانت تباع عن طريق المزاد العلني. وكان المستميتون في الحصول عليها يزايدون للفوز بالرقم دون سواهم. و كان يحلو للبعض الحصول على رقم يشابه رقم هاتفهم أو تاريخ مولدهم مهما كلفهم.



المفشّخون القدامى

بعض من ساءت أحوالهم من قدامى المفشّخين عمد مع اشتداد الأزمة الى بيع رقم سيارته (حين كانت النافعة لا تزال تعمل) ووجد من يشتريه بسهولة. ويقول إيلي «ما إن تكلمت أمام صديق لي أنني مستعد لبيع رقم سيارتي الرباعي حتى انهالت علي الاتصالات. لم أصدق ان هناك من هو مستعد اليوم لدفع 30 مليون ليرة ثمن لوحة من أربعة أرقام». رقم سيارته شكل له استثماراً مربحاً لكن من يقتني هذه الأرقام عادة لا يفكر بالربح والدليل أن 80% من أصحاب الأرقام المميزة هم من الطبقة المتوسطة الكادحة بحسب أحد التقارير.

يصعب حصر التفشيخ بحالة واحدة فهو يتمدد ليطال كل مظاهر الحياة رغم اشتداد الأزمة. والأمثلة كثيرة وما رواج الصفحات الالكترونية التي تبيع النسخ المقلدة للماركات العالمية بشكل غير مسبوق سوى دليل على ذلك. حقائب يد، ساعات وأحذية «باب أول» كلها تجد من يقتنيها، لا لقيمة مادية لها بل لأنها تجعل مقتنيها، يتماهى مع الطبقة الميسورة القادرة على شرائها فيقارعها في عقر دارها كأنه يأبى الاعتراف بواقعه ويعيش حالة نكران. وتقول فائزة السيدة البيروتية الأربعينية «كلما ساء الوضع وساءت أموري أفتش عن «جزدان» جديد أتباهى به أمام صديقاتي لأظهر أمامهن أنني بخير ولست من طبقة الفقراء الجدد التي يرثون لحالها، حقيبة الشانيل تعطيني شعوراً بالأمان وكأنني لم أتاثر بالأزمة ولن انهار». النية صافية إذاً والهدف نفسي وليس تفشيخاً وقهراً للصديقات!

وأتت مواقع التواصل الاجتماعي لتؤجج هذه الرغبة في التفشيخ لا سيما التفشيخ الكاذب المدّعي. فهؤلاء ما عادوا بحاجة لتخطي قدراتهم المادية للظهور بل يكفي أن يعرضوا صوراً لهم في صالونات الآخرين او قرب سيارة فيراري متوقفة أمام مطعم ما ليعكسوا الصورة التي يريدونها لأنفسهم.