كثيرة هي العائلات اللبنانية التي تسعى جاهدة الى تتجاوز الازمة المعيشية وتحسين دخلها الانتاجي بالعودة إلى الأرض وابتكار نمط حياة يكسر حدة غلاء المعيشة الذي تجاوز حدود أي تصور ومنطق.
ومع تدني مدخول معظم الأسر التي لا تسندها بحصة الخارج بالفرش دولار، شكلت المبادرات المنزلية الفردية محاولات جدية لاختراق جدار الازمة، والبحث عن سبل تعزيز ذلك المدخول، على قاعدة الحاجة أم الاختراع والابتكار، فكان لافتا العودة القوية الى تصنيع المونة من خيرات الأرض ومن خبرات تراث الاجداد في القرى وتطور طرق التصنيع الغذائي.
عائلة الشيخ مفيد محمود إحدى العائلات الريشانية التي أدركت بعيد الأزمة أن الطبيعة في راشيا معطاءة الى أقصى الحدود، وموقع المنزل وسط ارض زراعية تحيط به هي فرصة العائلة لتأمين الاكتفاء الذاتي أولا وتحسين دخلها للتأقلم مع الواقع الاقتصادي المستجد مع انهيار العملة الوطنية وغياب الحلول وتعثرها في تأمين متطلبات الحياة ، فانطلقت فكرة تصنيع المونة البيتية، ليس فقط من اجل الاكتفاء الذاتي بل بهدف تعزيز مدخولها عبر بيع المنتج، إذ يلفت الشيخ مفيد الى أن مونة راشيا يكفي أنها طبيعية وتصنع دون مواد حافظة، وهي من خيرات المنطقة، فواضبت عائلتنا على التصنيع الغذائي في معمل صغير متواضع أسميناه " أطايب راشيا" فعدت من السفر واستقرينا في هذه الارض الطيبة قبالة جبل الشيخ ووصل الامر الى انتاج ما يقارب 67 نوعا من المونة ضمن الدورة الزراعية على مدار المواسم ومن ارضنا ومواسمنا وهذه المونة من خيرات بيوت راشيا باتت زاد المسافرين من راشيا الى أهلنا في الانتشار ممن يعرفون مذاق هذه المنتجات وطعمها وغناها.
وأشار الشيخ مفيد الى النشاطات في البلدة ومنها مهرجان في الطبيعة لما نسميه " السليقة البرية" اي جمع الاعشاب والحشائش البرية المتنوعة التي تؤكل وتطبخ وهي اعشاب تقدمها الطبيعة والتي تدفعنا لكي نحافظ على التنوع البيولوجي مشيرا الى وجود ما يقارب 500 نوع من الحشائش والاعشاب غير المكتشفة بشكل جدي في محميات راشيا وجبل الشيخ، واليوم نحاول الاستثمار في الاعشاب والازهار الصحية والطبية التي نعرفها ويعرفها اجدادنا خصوصا في فصل الربيع، وهي دعوة لكل سائح ومهتم لزيارة هذه المحميات والتعرف على خيراتها وازهارها واعشابها. معتبرا انه في الازمات الاقتصادية لن نذهب لنقف بالطوابير عند ابواب الافران والصيدليات ومحلات البيع لأننا قررنا ان نستثمر بهذه الارض الطيبة والخيرة ونحن نزرع ونحصد وليس لدينا فقط منتج اقتصادي بل هناك رسالة من الاجداد سنكملها.
ولفت الى اننا بتنا ننتج المربيات على انواعها ومنها توت العليق البري الذي يعد منتجا مقاوما للسرطان والطلب عليه كبير في ظل هذا الغلاء لانه يقوي جهاز المناعة وننتج الكثير من انواع المخللات والكبيس من ارضنا، ودبس البندورة والشطة الحرة واصناف الفريز الذي نستقدمه من جبيل وهناك الدبس والمجففات والزبيب، والتين اليابس، ونجحنا بتجفيف البندورة لان راشيا تقع اكثر من عشر ساعة تحت تأثير الشمس اضافة الى تجفيف البصل والثوم .
وكشف ان النعنع الجردي ليس موجودا الا في جبل الشيخ وفي جبل بفرنسا وهو مهم جدا لمعالجة الرشح وتعزيز جهاز المناعة وكان اجدادنا يدخلونها مع مونة اللبنة ليعطيها طعمة ورائحة فريدة اضافة الى اعشاب الخزام والصعتر البري والقرويص وغيرها.
وعلى طريقته وباسلوبه الخاص يساهم الشيخ محمود مفيد محمود بمساندة والده ووالدته، إذ أولى الزراعة بجانب المنزل اهتماما حقق له مردودا يساعد العائلة في الظرف الصعب، الشيخ محمود الذي يلاحق وسائل التواصل الاجتماعي ليتعلم فنون الزراعة ابتكر فكرة انتاج الفطر بطريقة اقتصادية ومربحة دون الحاجة الى ان يقيم هنغارا كبيرا يكلفه اكثر من عشرين ألف دولار . ومن خلال متابعته على اليوتيوب طور معلوماته لانتاج بذوغ الفطر وزرعها عبر اكياس معبأة بالتبن الرطب نسبيا والتي توضع داخل غرفة معتمة في المنزل حيث نجحت التجربة الاولى بانتاج اكثر من 8 كيلو فطر من نوع المحاري وهو معروف بقيمته الغذائية وغناه بالبروتين الذي يغني عن اللحوم ويتميز بتعزيزه جهاز المناعة ايضا وطعمه الطيب، فأمن حاجة المنزل في القطفة الأولى وهو بصدد توسيع استثمار هذا المنتج والاستفادة منه لتحسين دخله.
الشيخ محمود المنشغل بالزراعات المنزلية، واجه غلاء الخضار في المحلات بمشتل صغير بجوار منزلهم لا تتجاوز مساحته العشرة أمتار فجمع دواليب سيارات عتيقة (13 دولاب) ووضع فيها التربة مع اسمدة حيوانية وبقايا اطعمة منزلية وخاض تجربة زراعة البروكلي والزهرة والخس ةالخس الافرنجي والفجل وبعض الحشائش فنجحت تجربته موفرا الكثير على اهله داعيا العائلات في راشيا والقرى الريفية الى الاهتمام بالزراعة والانتاج ليس فقط للتخفيف من الاعباء المادية ومتطلبات العيش بل ايضا لان منتوجات القرى خالية من الاسمدة والملوثات وهي مزروعات غنية بما يحتاجه الجسم من نظام غذائي متكامل وباب للرزق وتعزيز المدخول ان في المزروعات الشتوية أو الصيفية.
أما شقيقه الشيخ رامي المهتم بتصريف الانتاج في محل والده في سوق راشيا التراثي، فيدرك ان لمنتوجات المنزل نكهة خاصة عند الاهالي فهو يعرف كيف يواضب على تسويقها وتقديمها بطريقة تجذب الزبائن ويشرح طريقة تحضيرها باتقان وكد وتعب، ويهتم كثيرا بتطوير تجفيف الفاكهة والخضار والحشائش بطريقة علمية متقنة لتكونمطابقة للمواصفات وشروط الجودة والحفاظ على نكهتها ومذاقها.
حال عائلة الشيخ مفيد تشبه حال عشرات العائلات في راشيا ووادي التيم التي عادت الى الزراعة والمونة وتربية الدجاج وبعض الماشية لتؤمن دخلها وتوفير دخل اضافي من تصنيع المونة ومن الزراعة وتربية الماشية.
