Advertise here

ايران: لا تغيير في المعادلة السورية

27 آذار 2023 08:32:46

لم يكد يجف حبر الاتفاق السعودي -الإيراني مع ما أعقبه من تراجع حاد في التوترات الاقليمية، وانفتاح مسارات دبلوماسية بين طهران و عدد من الدول العربية، حتى ظهرت علامات التوتر الكبير على خطوط التماس الإقليمية بين ايران والولايات المتحدة، و أهمها في منطقة دير الزور السورية حيث الخط الفاصل بين تمركز الميليشيات المذهبية الإيرانية التابعة لفيلق القدس المنبثق عن "الحرس الثوري" في ايران جنوب نهر الفرات، والقوات الأميركية وواجهتها "قوات سوريا الديموقراطية" ذات التركيبة الكردية الغالبة، وبعض المجموعات العربية المقاتلة المؤلفة من عناصر عشائرية شمال نهر الفرات. كل ذلك وسط غياب النظام التام عن منطقة تعادل ربع مساحة سوريا.

 

وتجلى التوتر بضربات صاروخية نفذتها الميليشيات الإيرانية على مواقع عسكرية أميركية أدت في منتصف الأسبوع الماضي الى مقتل مقاول أميركي، و إصابة عدد من الجنود بجروج متفاوتة. أعقب ذلك قيام القوات الأميركية المرابطة في المنطقة بهجمات جوية وصاروخية على مواقع الميليشيات الإيرانية موقعة خسائر متنوعة. توقفت المواجهة ليلة الجمعة الماضية، لكن الاستنفار كبير، لا سيما أن الرد الأميركي أتى أقوى من المعتاد.

 

 لكن اللافت في الموضوع هو المفارقة بين تراجع التوترات بين محاور المنطقة المتناحرة تقليدياً، وتفاقمها بين إيران والقوات الأميركية المرابطة في سوريا و العراق، مما يشي بأن ثمة استهدافاً إيرانياً للوجود الأميركي في سوريا، في وقت تباشر عدة دول عربية بفتح قنوات دبلوماسية علنية مع النظام في دمشق، تحضيراً لعودته الى مقعد سوريا في الجامعة العربية، ربما بمناسبة انعقاد القمة العربية المقبلة في العاصمة السعودية.

 

ثمة خبراء غربيون مطلعون على الوضع في سوريا يعتبرون أن التصعيد الإيراني ضد الأميركيين راهناً يأتي على خلفية محاولة استغلال اهتزازات العلاقات الأميركية مع عدد من الدول العربية المركزية، و خصوصاً في ظل إتمام الاتفاق السعودي -الإيراني برعاية الصين، وذلك لتسجيل موقف واضح يجب أن يفهمه الأطراف الإقليميون ومفاده أن النفوذ الإيراني في سوريا باق بغياب العرب أو عودتهم من دون أي تغيير. والدليل أن إيران تقاتل القوة العظمى الأولى في العالم من أجل المحافظة على "كوريدور" طهران -بغداد – دمشق – بيروت مفتوحاً كما كان خلال كل الأعوام الماضية، بإعتباره شرياناً حيوياً للإمدادات العسكرية والبشرية التي تتنقل بين دول ما يسمى بـ"محور المقاومة "الذي يقوده طهران. ففتح السفارات العربية في دمش لا يغير بالنسبة إلى طهران في استراتيجيها التي تتخذ من سوريا موقعاً مركزياً حاسماً لمواجهة الحضور الأميركي،  وللضغط على إسرائيل، والأهم لابقاء الشريان الحيوي المذكور مفتوحاً مع لبنان الواقع تحت سيطرة "حزب الله". ولبنان الذي تسيطر عليه ذراع ايران المحلية هو حجر أساس ليس للسياسة الإيرانية في الإقليم بل للسياسات الإيرانية في العالم عبر الجاليات اللبنانية التي يشكل بعضها بيئة خاضنة لـ"حزب الله" وأنشطته الأمنية والمالية والعسكرية من أفريقيا، إلى أوروبا الغربية، وصولاً الى اميركا اللاتينية والشمالية على حد سواء.

 

لا يمكن التكهن بكيفية تطور التوتر بين الإيرانيين و الأميركيين في شرق سوريا. لكن من الواضح أن طهران تراهن على مواصلة واشنطن تقليص حضورها العسكري في المنطقة بسبب ضغوط المواجهة مع روسيا في أوكرانيا، وارتفاع حدة التنافس الاستراتيجي مع الصين في شرقي القارة الآسيوية. وفي هذا السياق، قد تكون طهران اللاعب الإقليمي الذي يتحرش بالأميركيين نيابة عن روسيا الغارقة في وحول الحرب الأوكرانية.

 

في مطلق الأحوال، ليس مستغرباً أن يكون هدف طهران من خلال رفع وتيرة التحرشات بالقوات الأميركية في سوريا هو إفهام الجميع أن المعادلة السورية لم تتغير بعد الانفتاح العربي على النظام، وبالتالي لا يتوقعن أحد اثماناً استراتيجية على حساب السياسة التوسعية الإيرانية في الإقليم. فالكلمة الأولى في سوريا تبقى لطهران ثم موسكو.