Advertise here

أخطار الاحتقان السياسي

06 حزيران 2019 07:46:00 - آخر تحديث: 06 حزيران 2019 08:06:34

كان المغفور له البطريرك نصرالله صفير يقول: كيف للدولة أن تسير إذا كانت كالعربة التي يشدها حصان الى الأمام وحصان الى الخلف؟ وحال لبنان اليوم يُشبه هذه العربة التي يدفعها بعضهم الى الأمام، وبعضهم يدفعها الى الخلف في ذات الوقت.

تشهد الساحة اللبنانية اليوم إحتقان سياسي من الدرجة الأولى. وهذا الإحتقان يؤثر سلباً على سمعة الدولة، ويُساهم في إنتاج الأجواء التشاؤمية التي تعيشها الأوساط الشعبية من جراء الإختناق الإقتصادي والركود، وينعكس الإحتقان سلباً على المؤسسات المتماسكة والتي تقوم بدورها على أكمل وجه، خصوصاً الجيش وقوى الأمن الداخلي وغيرهما.

وقد يكون السجال العالي النبرة الذي حصل بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل؛ هو الذي دفع هذا الإحتقان الى الواجهة، لكونه مؤشر على إنحلال التسوية التي حصلت بينهما منذ ما يقارب ثلاثة أعوام، والتي أفادت البلاد في جوانب ولكنها أدت الى حصول أضرار كبيرة في جوانب أُخرى. لكن هذا السجال ليس الوحيد مصدر الإحتقان، بل أن الخطابات النارية لقادة الصف الأول من "محور الممانعة " حول التوتر الأقليمي - خصوصاً التهديدات المتبادلة بين الولايات المتحدة الأميركية وايران - كان مصدراً اساسياً للإحتقان أيضاً، لأن بعضهم وضع لبنان في قلب العاصفة، وهاجم الإعتدال الذي عبر عنه رئيس الحكومة سعد الحريري في قمتي جده اللتين إنعقدتا في المملكة العربية السعودية لمواجهة الأخطار التي تستهدف الأمن القومي العربي.

مهما يكُن من أمر؛ فإن السياق السياسي الذي يعتمده رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، ومعه صقور التيار، يشكِل مصدراً أساسياً للتوتر، وهو يُنعِش بعض العناوين الخلافية والتي لا يمكن الإتفاق حولها إلا بالنسيان، وهذا النسيان كان قد حصل برغم الخلافات والصعوبات التي مرَّت بها البلاد في الحقبة الماضية؛ لأن قوة التفاهمات والمصالحات وإرادة العيش المشترك؛ كانت أقوى من كل الخيارات والتحريضات ذات المصدر الخارجي التي عملت بجهود حثيثة لإثارة الفتن بين اللبنانيين.

والسياق التأسيسي الذي يتحدث فيه الوزير باسيل، لا يمكن قبوله من الطرف الآخر، لأن هذا الطرف الذي يتشكل من عدة قوى، والذي تساهل بالتسوية مع باسيل؛ لا يمكن له قبول الإستسلام أمام الإندافعة الغريبة للوزير باسيل، والتي توحي بمونة كبيرة على الدولة ومؤسساتها، لم يسبق أن حصلت حتى قبل تعديل الدستور في العام 1990، والذي حوَّل النظام اللبناني من نظام رئاسي برلماني الى نظام مجلسي برلماني يحتل فيه رئيس الجمهورية موقعاً متقدماً.

مقدمات نشرات الأخبار لتلفزيون المستقبل ولتلفزيون التيار الوطني الحر نهار الثلاثاء؛ كانت مثال واضح على هذا الإحتقان، وسمع اللبنانيون كلاماً كانوا أعتقدوا أنه أصبح من الماضي، خصوصاً حول الارهاب والبيئة الحاضنة وحول صلاحيات الرؤساء.

إذا كانت صعوبات الوضع الإقتصادي والمالي للدولة قد فرضت شيء من التضامن لتلافي الكارثة المُحدقة؛ لكن التباينات السياسية بين القوى الرئيسية ما زالت قائمة، لا سيما عندما يتجاوز أحدهم كل خطوط المراعاة الوطنية الجوهرية، ويتصرف بعقلية المُنتصر أمام مهزومين، لأن الطرف المتضرر من سياسة الإستباحة والمونة الزائدة واسع جداً، وهو قبل بالتسوية رغم مخاوفه، ولكنه لا يقبل أن تُفرض عليه الهزيمة في لحظة سياسية غير مؤاتية.